كيف تعلمون أننا منذ سنوات وسنوات لا نعيش بدولة؟.
الجواب، عندما تتذكرون كيف هدّد تجار المخدرات محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر بالقتل ومنعوه من مزاولة عمله في مكتبه وذلك بسبب مقتل علي زيد إسماعيل في عملية الحمودية الشهيرة عام 2018، علماً أن إسماعيل كان مطلوباً بـ 3114 مذكرة توقيف، وعلماً أيضاً أن "جريمة" خضر يومها إقتصرت على قيامه بواجبه وتشجيعه السلطات المعنية على تطبيق الخطة الأمنية في البقاع الشمالي.
وكيف تتأكدون أكثر فأكثر أننا حتى الأمس لا نزال نعيش على أرض خالية من مقومات الدولة؟.
الجواب، عندما تقرأون جدول أعمال (مؤلف من أربعين بنداً) جلسة النواب التي ستنعقد يومي الأربعاء والخميس المقبلين، وترون كيف أن البند الثاني منه، خصص لإقتراح قانون العفو العام، العفو عن موقوفين ومحكومين منهم من هدد خضر وغيره سابقاً، وقد يهددون غيره من المسؤولين والمواطنين في أي لحظة ويفرضون منطق الدويلة ضمن الدولة، أكان في البقاع والشمال أو في أي منطقة أخرى. نعم بند العفو العام قبل كل الأزمات المعيشية والنقدية وأموال المودعين العالقة في المصارف والدولار الذي يتحكم سعر صرفه "الفلتان" بكل شاردة وواردة من حياة المواطنين. العفو العام قبل الوضع الصحي الحرج وقبل طمأنة المرضى والمواطنين بأن الدعم عن الدواء والخبز والمحروقات لن يرفع. العفو العام قبل كل شيء إلا الشعبوية.
نعم لا يمر أيّ يوم من دون حدث يؤكد لنا أكثر فأكثر أن لبنان بعيد كل البعد عن مقومات الدولة، وآخر هذه الأحداث تهديد جديد بالقتل وجهته مجموعة من آل شومان في سرعين الفوقا للمحافظ و"جريمة" خضر الجديدة أنه تقدم بإخبار الى النائب العام الإستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات بحق نائب رئيس إتحاد بلديات شرق بعلبك عطريف شومان بتهمة مخالطة الناس وهو مصاب بفيروس كورونا. وهنا يسأل خضر عبر "النشرة" ما الفرق بين الإرهابي الإنتحاري الذي يزنّر نفسه بحزام ناسف ويتوجه لتفجير ذاته بين حشد من المواطنين وبين مصاب بكورونا يتجول ويخالط الناس عن سابق تصوّر وتصميم وكأنّ كورونا لم يكن"؟.
وفي التفاصيل يقول خضر إن "نتيجة فحص الـpcr الذي أجراه شومان صدرت في 18 أيلول ويومها تأكدت إصابته بكورونا، وفي اليوم التالي علمت أنه يشارك بإجتماعات بلدية فوجهت اليه تحذيراً بضرورة التزام الحجر عبر رئيس إتحاد بلديات شرق بعلبك علي حسين شكر. المفاجأة كانت بالأمس عندما رأينا شومان في صالون الشرف في المطار وهو يستقبل البطل العالمي محمد فخر الدين، كل ذلك قبل أن تنقضي فترة الحجر المحددة بـ14 يوماً"، لذلك تقدمت بالإخبار ضده".
الى المادة 604 من قانون العقوبات إستند خضر في إخباره ضد شومان، وهي التي تعتبر أن "من تسبب عن قلة احتراز أو إهمال أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة في انتشار مرض وبائي من أمراض الإنسان عوقب بالحبس حتى ستة أشهر. وإذا أقدم الفاعل على فعله وهو عالم بالأمر من غير أن يقصد موت أحد، عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات فضلاً عن الغرامة".
وفيما يردد شومان أنه يتجول ويخالط الناس بعدما كرر فحص الـpcr منذ يومين وجاءت نتيجته سلبية، يؤكد خضر أنه ملزم بإستكمال فترة الحجر التي لم تنته بعد، علماً ان بلدية سرعين الفوقا أصرّت في بيانها على أن شومان أصيب منذ 17 يوماً وأنهى فترة حجره بعدما شفي، وبناء على توجيهات طبيبه خالط الناس وتجوّل بشكل عادي، الأمر الذي يكذّبه خضر جملة وتفصيلاً مؤكداً أن المشكلة ليست شخصية مع شومان بل تتعلق بحماية المواطنين من الوباء.
المشكلة الحقيقية ليست في الشفاء ولا في فترة الحجر المنتهية أو غير المنتهية. انما تكمن بتهديد المحافظ بالقتل والدم لأنه يقوم بواجبه لحماية المواطنين من كورونا حتى ولو أن شومان أصدر بياناً قال فيه أن أي كلام يتعرض لخضر لا يمت اليه بصلة.
لا نعيش بدولة لا اليوم ولا بالأمس القريب أو البعيد، ولا غداً. وحتى كتابة هذا المقال، لم تكن الأجهزة الأمنية قد أوقفت بعد من هدد خضر بإشارة من القضاء المختص، وهنا لبّ المشكلة.