بين الحب والحرب، ولدت قصة حب عظيمة إختبرت الكثير من الأوجاع والالام، تماما مثلما عان الوطن الجريح، لبنان في سبعينيات القرن الماضي عندما إندلعت شرارة الحرب الطائفية المقيتة والتي تركت ندوبا في ذاكرة الوطن والمواطن على حد سواء...
"ريتا الحاج"... فتاة جنوبية مسيحية من قرية"رميش" الجنوبية الواقعة على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ، تعمل مدّرسة أدب فرنسي في ثانوية "بنت جبيل" وهي البلدة المسلمة الشيعية...
"كريم شرارة "... مهندس شاب مسلم من قرية "بنت جبيل" إلتحق بالعمل في دبي بعدما تلقى عرضا جيدا في أحد أهم شركات الهندسة والمقاولات في بداية الفورة النفطية في السبعينات.
تشاء الصدف أن يلتقي كريم مع ريتا أول مرة بعد حادثة توعّك أصابت أخته "دعاء" خلال الحصّة التدريسية التي تقدمها ريتا في المدرسة، فتولد شرارة الحب الأولى التي كلفتهما الكثير من الدموع والفراق وما بينهمامن موت وهجرة.
شكّلت الحادثة الأولى والتي يتوفى بها والد كريم (الحاج حسين شرارة) وهو شخصية مرموقة ومحترمة ومثال أعلى لكريم في الحياة ، مع شقيقه الصغير محمد ، خلال قصف وحشي إسرائيلي "لسوق الخميس" الشهير في البلدة ، شكّلت نقطة تحول مصيرية في حياته وعلاقته مع ريتا.
خلال المرحلة الأولى من الحرب، دافع كل من ريتا وكريم عن حبهما بشراسة ، لكن قذارة الحرب الطائفية كانت لهما بالمرصاد تماما. وجعلت هذا الحب صعب المنال.
المحطة الثانية التي أصابت هذه العلاقة بمقتل ، هي حادثة إختطاف أخ ريتا الأصغر" إيلي جونيور" حيث عاشت العائلة إحتمال فقدان ولدها على يد"زعران" الحرب، غير ان العناية الألهية وقفت معهم عندما تدخل الزعيم "بوب" للإفراج عنه وإعادته سالما إلى ذويه.
بعدها تلاقت النظرات بين ريتا وبوب الذي إستعاد شرارة الحب بعد رؤيته ريتا تدخل للمرة الأولى إلى المنطقة التي يتولى حمايتها بحكم الأمر الواقع- وإستوقفه الحنان الطافح على وجهها، وهمس في نفسه: هذه هي!.
لم تكن مهمه بوب سهلة ليحتل القلب الذي حجزه كريم له منذ اللحظة الأولى ، لكن يد الحرب تدخلت وأبعدت المسافات بينهما حتى الفراق.
على الضفة الأخرى من المشهد في دبي، تحديدا حيث يقيم كريم، تقتحم حياته صبية إماراتية جميلة تدعى"ريم الشامسي" وهي من عائلة راقية ووالدها صاحب شركة للبناء والمقاولات في دبي.
تشاء الصدف أن يلتقيا في إحدى المناسبات الإجتماعية ويكون صديقه المقرّب خليل (الذي يصبح فيما بعد زوج أخته دعاء) هو صديق ريم في نفس الوقت.
تتذبذب العلاقة بينهما في المرحلة الأولى إلى أن يحسم أمره ويقرر أن يطوي صفحة ريتا للأبد بعد قرارها الصادم له بالزواج من بوب مراعاة للظروف التي تحيط بها، وبعدما أدركت أن إرتباطها بكريم صار شبه مستحيل بعدما إشتدت نار الحرب الطائفية.
لا سلطة أعلى من سلطة الحب، هذه المقولة وقفت حاجزا ما بين قلب ريم وكريم ، الذي جهد كي يخرج من حب الماضي ويتطلع صوب ريم. لكن صورة ريتا كانت له دوما بالمرصاد، رغم إنكاره هذا الواقع أقلّه مع نفسه.
تتدخل الأقدار من جديد وتجمع بين ريتا وكريم في دبي، إثر وفاة زوجها بوب في قصف صاروخي إستهدف موقعه العسكري في العاصمة بيروت، ولكن يدخل على المشهد هذه المرة عنصر جديد هو جورج إبن ريتا.
قبل هذا اللقاء يتعرض كريم لصدمة عاطفية كبيرة تتمثل بوفاة والدته المفاجئ، حيث يشعر بعدها بالوحدة القاتلة وإنعدام التوازن-خاصة بعد زواج أخته دعاء وقرارها الإنتقال للعيش مع زوجها في المانيا-هذه الحادثة تدفعه للوحدة والإنعزال والبعد عن ريم التي تقرر ان تغادر إلى لندن لإكمال دراساتها العليا هناك ولإفساج المجال أمام كريم ليحسم أمر مشاعره تجاهها.
بعدما تأكدت ريم من أن ما يفصلها عن كريم أكثر من خوف وتردد إنما هو جدار عالٍ إسمه الماضي تقرر الإنسحاب من حياته للأبد، وتفسح لقلبها فرصة حبّ هادىء موزون مع الدكتور البرغوثي (فلسطيني الجنسية ) وهو المشرف على رسالتها الدكتوراة في كامبريدج.
في اللقاء الصادم بين ريتا وكريم في دبي، يدرك الطرفان انّ يد القدر تدخلت مجددا كي تجمعهما بعد أن فرّقتهما أهوال الحرب ومصائبها، ولكن الحب ينتصر في النهاية عندما يقرر كريم حسم خياراته العاطفية ويخضع لحكم القلب، وهذا ما فعلته ريتا بالظبط.
تُتوّج قصة الحب العظيمة، والتي إمتدت على ما يقارب من 15 عاما بإنتصار وطني كبير يتمثل بتحرير لبنان الكامل عام 2000 من الإحتلال الإسرائيلي الغاشم، ونتيجة لذلك قرّر كريم وعائلته-التي إنضم لها إبنتهما ياسمين ثمرة حبهما الكبير- قرروا العودة النهائية إلى مسقط الرأس، ومسقط القلب بلدته الجنوبية "بنت جبيل" التي كانت شاهدة على همسات الحب الأولى.