لم تكن الخلية الارهابية التي قضت عليها القوى الامنية بعد تدخل فوج المغاوير في الجيش اللبناني، بالحادثة العادية التي يمكن اغفالها او اعتبارها من الجرائم اليومية التي تشهدها الدول عادة، او حتى من الاعتداءات الارهابية البسيطة التي سرعان ما تنتهي في وقتها. فالخلية ضمت عناصر عالية التدريب ومدججة بالاسلحة وتدرك طبيعة الارض التي دخلت اليها وكيفية تحصنها في اماكن يصعب على القوى الامنية دخولها بسهولة، وبالتالي فإن الموضوع كان اكبر من مجرد اشخاص مسلحين كانوا يمرّون في منطقة ما للتوجه الى منطقة اخرى. ان عملية من هذا النوع، لا بد وان تثير الشك والقلق في آن معاً، علماً انها ادت الى سقوط شهداء من الجيش اللبناني واصابة آخرين من القوى الامنية، فالتوقيت مريب جداً من ناحية، كما ان حجم العملية خطير ايضاً من ناحية اخرى، ناهيك عما اكتشفته اجهزة الاستخبارات الامنية اللبنانية من معلومات حول من تم القضاء عليهم.
وسط هذه الاجواء، اتت دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى التطلع الى الشمال واخذ العبر، بمثابة سؤال راود الجميع: من المستفيد من اللعب بالوضع الامني؟ ومن الطبيعي الا يكون الجواب على هذا السؤال بسيطاً، لان المستفيدين يتوزعون على الداخل والخارج. فمن ناحية الخارج، يستفيد من هذا الوضع كل من يرغب في افشال المساعي السياسية والدبلوماسية لايجاد مخرج للازمة اللبنانية الحالية، والاستفادة تكون بالضغط للوصول الى نقطة الفلتان الامني لتنضج مرحلة التسوية ويسارع كل طرف خارجي الى تحقيق اكبر قدر ممكن من النفوذ عبر اطرافه الداخليّة، كما انه في الوقت نفسه، يتراجع النفوذ الفرنسي لمصلحة دول اخرى.
على الخط الداخلي، يمكن القول انّ الجميع يستفيد من فلتان هذا الوضع، ولكن بطبيعة الحال فإن حزب الله -الذي يتعرض لاكبر نسبة من الضغط- هو الاقل استفادة، فيما لن يتأثر بري او حركة "امل" بالنسبة نفسها لانهم سيكونون على طاولة المفاوضات السياسية وسيتولون التفاوض عن الحزب ايضاً، وكما هو معروف بلعبة التسوية، فإنه لا يمكن اقصاء احد منها، انما تبقى القوّة في تحقيق العدد لاكبر من المطالب. واذا حصل بالفعل فلتان امني، فإنه سيكون، كما قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، اعلان وفاة المبادرة الفرنسية والجهود التي يقوم بها لحلّ المسألة بالطرق غير العنفيّة، وسيكون عبارة عن ايقاظ خلايا نائمة او استقدام عناصر مدرّبة لاثارة البلبلة وانهاك الجيش والقوى الامنيّة واعادة تهيئة الساحة للخضّات الامنية الكبيرة، وعندها تتحرّك كل الدول وتضغط على اللاعبين المحليين للوصول اما الى طائف جديد او الى مؤتمر دوحة آخر، وفي الحالتين ستتغير المعطيات السّياسية لتكفل تأمين الغطاء اللازم للجميع، مع اعطاء بعض الافضليّة لقسم على آخر، ويعود الجميع لمواصلة مسيرتهم في الحلقة المفرغة الى ان يستكملوها مجدداً لنعود الى نقطة البداية.
هذا ما حاول ماركون قوله في مؤتمره الصحافي، ولذلك قال انه سيدعو دول العالم الى مؤتمر للخروج بورقة عمل واحدة في ما خصّ التعاطي مع لبنان، ولكنه اعطى مهلة تقدّر بـ20 يوماً لايصال رسالة لللاعبين اللبنانيين ان مكاسبهم قبل المؤتمر ستكون اكبر منها بعده، وتبقى العبرة في مقدار ثقة هؤلاء بكلام الرئيس الفرنسي، او تفضيلهم المخاطرة لمعرفة ما سيكسبون في مرحلة لاحقة.
ولكن المؤكّد انّ الخاسر الاكبر سيكون الشعب اللبناني والجيش والقوى الامنية، لانهم المعنيون الاول بكل المآسي التي ستنتج عن الفلتان الامني، في حال حصوله، والاقل استفادة من نتائج التسوية التي ستتم بعدها، مهما كان معيارها والنسب التي ستوزع على الاطراف اللبنانية.