"لبنان لا يملك ترف الوقت"، هذه العبارة يستخدمها معظم السياسيين اللبنانيين بشكل شبه يومي، الأمر الذي يدفع إلى الإعتقاد بأنهم لا يوفّرون أيّ لحظة، لأخذ إجراءات عمليّة تساهم في الحدّ من سرعة الإنهيار الحاصل في البلاد، خصوصاً أن مسار الأزمة الحالية كان واضحاً منذ السابع عير من تشرين الأول الماضي، أي منذ نحو عام تقريباً.
في المشهد السياسي، يمكن القول أنّ البلاد اليوم هي في اللحظة نفسها التي تلت إستقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حيث الخلاف بين الأفرقاء المحليين على شكل الحكومة التي من المفترض أن تدير المرحلة المقبلة، مع فارق هام هو دخول العديد من العوامل الإقليميّة والدوليّة الضاغطة.
أما على المستوى الإقتصادي، فإن الشعار الذي كان طاغياً، طوال الفترة الماضية، فهو العمل على الإنتقال من الإقتصاد الريعي إلى الإقتصاد المنتج، الأمر الذي يتطلب بالحد الأدنى دعم القطاعين الزراعي والصناعي، فما الذي حصل على هذا الصعيد؟.
يعرب رئيس تجمع المزارعين في البقاع ابراهيم ترشيشي، في حديث لـ"النشرة"، عن أسفه لأن المزارعين لم يلمسوا أي دعم للقطاع الزراعي، نظراً إلى أنّ الدولة اللبنانيّة لم تخرج من نظريّة دعم الإستيراد، ويعتبر أنّ كل الإجراءات المعتمدة كانت تضر بالقطاع ولا تدعمه، لا سيما بالنسبة إلى آليات الدعم التي كانت معتمدة.
بالإنتقال إلى القطاع الصناعي، يؤكد الوزير السابق فادي عبود، في حديث لـ"النشرة"، أن الدولة اللبنانية لم تتخذ أي إجراء عملي للإنتقال الى تطبيق هذا الشعار بالتحوّل من الإقتصاد الريعي إلى الإقتصاد المنتج، ويشير إلى أن "كل ما قيل كان عبارة عن كلام بكلام ولم يتم التعامل مع الموضوع بجدّية"، ويعرب عن أسفه لأن ليس هناك أيّ نيّة جدّية حتى الآن، في حين أنّها إذا توفرت فعلى الأرجح ليس لدى المعنيين كيفيّة المعرفة للتطبيق.
بالنسبة إلى ترشيشي، دعم إستيراد السلع الغذائيّة بدل دعم الزراعة يعاكس نظرية تعليم الصيد بدل تقديم السمكة، ويلفت إلى أن المطلوب كان تعليم الصيد عبر دعم المزارعين بدل الإكتفاء بتقديم السمكة للمستهلكين من خلال دعم السلع الغذائية المستوردة، خصوصاً أن لبنان دفع مبالغ طائلة للحصول على السمكة لمرّة واحدة فقط، ويضيف: "رغم ذلك لا الفلاّح كان مرتاحا ولا المستهلك لمس وجود هذا الدعم، الذي لم تستفد منه إلا فئة صغيرة من التجار".
وفي حين يشير إلى التهرّب من المسؤوليّة على مدى سنوات طويلة، يشدّد عبود على أنّ التصدير هو العامل الأساسي لجلب العملة الصعبة من الخارج، الأمر الذي يتطلب تقديم كل التسهيلات اللازمة، ويسأل: "أين صندوق دعم المواد الخام الذي كانوا يتحدثون عنه"؟، ويضيف: "لسنا الدولة الوحيدة التي وقعت في أزمة مماثلة لتلك التي يمرّ بها لبنان: تركيا واليونان ومصر مروا بالتجربة نفسها، لكن في تلك الدول كان هناك سلطات ذهبت إلى أخذ إجراءات سريعة وجدية"، ويعبتر أن المطلوب بالحد الأدنى كان حماية الصناعة الوطنية ودعم الصادرات.
على صعيد متصل، أضاع لبنان كل الأشهر الماضية من دون التوصل إلى وضع أيّ خطّة إقتصاديّة أو ماليّة، تكون بوابة العبور من الأزمة، حيث أطاحت الخلافات السّياسية بالخطّة التي وضعتها حكومة تصريف الأعمال، التي لم يعد أحد يتحدث عنها بالرغم من كل علامات الإستفهام حولها، بالتزامن لم يرَ اللبنانيون مسؤولاً واحداً يحاسب أمام محكمة، رغم كل الإتهامات بالفساد التي تتقاذفها القوى السياسية في ما بينها على مدار الساعة.
في المحصلة، عدم إمتلاك لبنان ترف الوقت أمرٌ لا جدال فيه، لكن عملياً يمتلك طبقة سياسية تحترف إضاعة الوقت والفرص. واليوم تبشّر اللبنانيين بالمزيد من الإنهيار مع إقتراب نفاذ إحتياطي المصرف المركزي، الأمر الذي سينعكس على أسعار السلع الأساسيّة، بينما هي لم تقم بأيِّ إجراء مفيد طوال الفترة الماضية.