بعد اللهجة الحادة التي توجه بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القوى السياسية المحلية، لا سيما في المواقف التي تناول فيها "حزب الله"، كان الجميع ينتظر الرد الذي سيصدر عن أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله، حيث لم يكن من الوارد أن تمر تلك المواقف مرور الكرام، إلا أن اللافت أن الرد جاء بأسلوب هادئ هدفه عدم اغلاق الأبواب أمام الجهود الفرنسية بشكل كامل، بل إعادة تحديد إطار المبادرة من جديد.
السبب الرئيسي في ذلك، يعود إلى قناعة "حزب الله" بأن المطلوب عدم إغلاق هذه النافذة بوجه الفرنسيين، الأمر الذي دفع السيد نصرالله إلى تأجيل الكشف عن بعض الحقائق، من دون أن يعني ذلك تقديم أي تنازلات تخرج عن الإطار المعقول أو المقبول، خصوصاً أن باريس هي من أبرز الدول الأوروبية التي لا تزال تحافظ على قنوات الاتصال مع الحزب، رافضة الرضوخ للضغوط الأميركية المطالبة بتصنيفه منظمة ارهابية.
انطلاقاً من ذلك، تعمد السيد نصرالله الرد على الاتهامات التي كانت قد وجهت إلى الحزب، طوال الفترة الماضية، سواء من قبل الجانب الفرنسي أو من جانب بعض وسائل الاعلام، محدداً أسباب فشل رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب في مهمته، بالشروط التي وضعت عليها من قبل نادي رؤساء الحكومات السابقين الأربعة: نجيب ميقاتي، تمام سلام، فؤاد السنيورة، سعد الحريري.
وبعد أن عرض أمين عام "حزب الله" التسهيلات التي كان الثنائي الشيعي قد قدمها، لناحية الموافقة على تسمية أديب من دون أي اتفاق مسبق معه، ذهب إلى الحديث عن الشروط الأربعة التي قدمت من قبل رؤساء الحكومات الأربعة، الذين تولى الحديث باسمهم الحريري: من عدد أعضاء الحكومة إلى طلب المداورة بالحقائب وصولاً إلى توزيع الحقائب على الكتل النيابية، بالإضافة إلى تسمية الوزراء من قبلهم.
في هذا السياق، كان لافتاً الرسائل الايجابية التي توجه بها السيد نصرالله إلى أديب والحريري، حيث وصف الأول بالشريف غير الراغب في الدخول بأي مواجهة مع أي من الأفرقاء المحليين، بينما توجه إلى الثاني بالقول: "لا داعي لتجرع السم، نتفاهم من جديد لا مشكلة، وسلامة قلبك"، إلا أنه لم يتردد في التأكيد على أن ما حصل كان مخططاً له من أجل الوصول إلى فرض حكومة أمر واقع، عبر تقديم تشكيلة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، كي يوقع عليها على وقع ضغوط وتحذيرات كبيرة.
بالتزامن، سعى السيد نصرالله إلى تحجيم دور رؤساء الحكومات السابقين الأربعة، عبر الإشارة، أكثر من مرة، إلى أنهم فريق من أقلية، وبالتالي لا يمكن الموافقة على تسليمهم البلاد، خصوصاً أنهم يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، بالإضافة إلى الإشارة لوجود رئيس حكومة سابق آخر، سليم الحص، غير مشارك في هذا النادي.
وبعيداً عن الردود على مواقف ماكرون، التي حرص أمين عام "حزب الله" على التطرق إليها بشكل مفصل، كانت الرسالة الأساسية بالإشارة إلى أن الطريقة التي قدمت بها المبادرة لا تنجح في لبنان أيا يكن داعمها أو راعيها، حيث حدد الإطار اللازم لنجاح المبادرة الفرنسية في المستقبل، عبر التأكيد على أن الحزب متمسك بالمشاركة في الحكومة، والدعوة إلى إعادة النظر بالاسلوب والطريقة.
في سياق منفصل، كان لافتاً وضع نصرالله نشاط الخلايا الارهابية في الشمال في إطار سعي الولايات المتحدة إلى إعادة إحياء تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا ولبنان، بعد عملية اغتيال القائد الراحل لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بهدف تبرير الوجود الأميركي في المنطقة بعد المطالبات العراقية بخروج القوات الأميركية من البلاد، مشيراً إلى أن هدف الخلايا التي تم الكشف عنها لم يكن القيام بعمل أمني بل التحضير لعمل عسكري كبير، داعياً إلى التنبه والحذر والالتفاف حول المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.
بالتزامن، حرص السيد نصرالله بالرد على ادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حول مخازن أسلحة للحزب، التي وضعها في سياق تحريض الشعب اللبناني على "حزب الله"، من خلال الاعلان عن تنظيم جولة لوسائل الاعلام المحلية والدولية في المنشأة التي تحدث عنها نتانياهو، في تكرار لما حصل في ملعب العهد الرياضي قبل سنوات، بالرغم من أنه أعلن حينها أن ذلك لن يحصل دائماً، نظراً إلى سعي تل أبيب إلى استغلال الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في هذا المجال.
في المحصلة، لم يقفل أمين عام "حزب الله" الباب أمام استمرار المبادرة الفرنسية، في الأيام المقبلة، بل حدد الشروط اللازمة لنجاحها، بعيداً عن الضغوط الأميركية والسعودية، بعد أن ألمح إلى مواقف الملك سلمان بن عبد العزيز التي سبقت اعتذار أديب.