من نافل القول أن تأليف الحكومة دخل مرحلة انتظار التطورات الدولية وعلى وجه الخصوص الانتخابات الأميركية في النصف الأول من تشرين الثاني المقبل، وهو ما أشار إليه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون خلال مؤتمره الصحفي الذي صب فيه جام غضبه على معظم القوى السياسية في لبنان.
إن ما برز من معطيات واكبت تسويق المبادرة الفرنسية في عملية التأليف دلّ بما لا لبُس فيه بأن ورقة تشكيل الحكومة اللبنانية تلعب في الخارج في أجواء متوترة تجعل اللاعبين لا يعيرون أي اهتمام لما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وأن جل ما يبغون من وراء الورقة اللبنانية هو تعزيز مصالحهم وتوظيفها في سبيل تحصين موقعهم على الخارطة الجديدة التي ترسم للمنطقة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تبقى القوى السياسية في لبنان تقف متفرجة على المشهد الإقليمي والدولي إلى أن ينجلي وينكشف عنه غبار الكباش المتشعب للإنصراف إلى عملية تأليف الحكومة، ومنها الولوج إلى معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشد على خناق اللبنانيين؟.
في تقدير مصدر وزاري سابق أن الأمور في لبنان معقدة وهي زادت تعقيداً بعد انكفاء المبادرة الفرنسية التي أجمعت كل القوى السياسية من دون استثناء بأنها تشكل الفرصة الأخيرة للانقاذ في لبنان، وإن كان الرئيس ماكرون قد حرص على الايحاء بأن الروح ما تزال تدبّ في هذه المبادرة، وأن من فشل ليست المبادرة بل القوى السياسية في لبنان التي خذلت ما كانت قد وعدته به خلال اللقاءات التي حصلت خلال الزيارتين المتتاليتين التي قام بها الى بيروت بعد انفجار المرفأ في الرابع من آب الماضي.
عون يتجه لإجراء مروحة مشاورات تسبق الاستشارات للتفاهم على «سلة واحدة» لتسهيل عملية ولادة الحكومة
ويرى المصدر أن عمر حكومة تصريف الأعمال سيدوم طويلاً، خصوصاً وأن الاتصالات والمشاورات في الداخل اللبناني غائبة، وهذه الغيبة ربما تمتد لشهر أو شهرين أي إلى ما بعد معرفة نتائج الانتخابات الاميركية في 3 تشرين الثاني، وهو يعتبر ان إطفاء المحركات اللبنانية بالتزامات مع إدارة الظهر الإقليمية والدولية للواقع اللبناني سيتسبب بالمزيد من التدهور المالي والاقتصادي، وهو سيدخل البلاد والعباد في مدار من التوتر والفوضى الذي يُخشى معه انفلات الشارع من عقاله، لأن المواطن الذي سيجد نفسه غير قادر على تأمين قوته وقوت عياله لن يتردد في القيام بأي شيء ولو كان ذلك خارج القانون.
ويخشى المصدر أنه في ظل الجمود الذي سيحكم عملية تأليف الحكومة أن يتحوّل المشهد السياسي في لبنان إلى حلبة تتصارع فيها القوى السياسية لتعبئة الوقت ومحاولة تحصين المواقع ما سيضع البلد أمام المجهول، خصوصاً وأن انهيار الوضع الاقتصادي وتفاقم الوضع الصحي والاجتماعي يُشكّلان أرضاً خصبة لإعادة تحريك الخلايا الإرهابية التي هي لم تنم في الاصل، بل تنتظر الفرصة السانحة للعودة وتوجيه الضربات الأمنية لزيادة الوضع الداخلي ارباكاً، وهو ما بدأت ملامحه تظـهر من خلال ما جرى في منطقة الشمال مع نهاية الأسبوع المنصرم.
ويتوقع المصدر الوزاري السابق أن يتعرّض لبنان مع قابل الأيام إلى مزيد من العقوبات، خصوصاً وأن الإدارة الأميركية أوفدت إلى الأوروبيين من يحاول اقناعهم بالسير بهذه العقوبات، وإن كان الرئيس الفرنسي قد أكد بأنه مازال من المبكر اتباع هذا السبيل ووضعه في الخانة الأخيرة في حال تمّ الإعلان عن وفاة مبادرته بشكل نهائي.
وفي رأي المصدر أن من الايجابيات التي طبعت كلام «سيد القصر» في الاليزيه في مؤتمره الصحفي الأخير هو إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع طهران، لأنه يعلم ان لإيران دوراً أساسياً وفاعلاً في ما خص الملف اللبناني، وهو تواصل معهم خلال التسويق لمبادرته بشأن تأليف الحكومة، وإن كان لم يأخذ منهم لا حق ولا باطل بهذا الخصوص، حيث كانت أجوبة الإيرانيين واحدة، لدى سؤالهم عن الملف اللبناني والقائم على قاعدة، إن ما يقبل به «حزب الله» لن تعترض عليه القيادة الإيرانية التي تفضل عدم الدخول المباشر على هذا الخط.
من هنا فإن المصدر الوزاري السابق والمطلع عن كثب على مجريات الاتصالات والمشاورات التي تجري وخصوصاً على الخط الفرنسي بأن انسداد أفق التأليف ربما يستمر لعدة أسابيع، وإن القوى السياسية ستنكب على قراءة ما جرى بشكل تستفيد منه للجولة الثانية من رحلة التأليف، كاشفاً عن رغبة واضحة لدى رئيس الجمهورية بأن تتم عملية تشكيل الحكومة من ضمن «سلة واحدة» بحيث يتم الاتفاق على شخص الرئيس المكلف وحجم الحكومة وتوزيع الحقائب وحتى العناوين العريضة للبيان الوزاري قبل الشروع في الجولة الجديدة من الاستشارات النيابية الملزمة والتي ربما تتأخر بعض الوقت ويسبقها جولة من المشاورات مع الكتل النيابية لتجنب أي دعسة ناقصة مع الحرص على الانطلاق من روحية المبادرة الفرنسية خصوصاً البنود المتعلقة بالاصلاحات.
ويتوقع المصدر أن يسيطر الجمود السياسي على الداخل اللبناني بضعة أيام، وأن التريث في مقاربة الملف الحكومي مجدداً سيكون هو القاسم المشترك لدى كل الأطراف ما دام أي طرف سياسي داخلي لا يملك زمام المبادرة، وهو ينتظر تطورات خارجية ما، تكون بمثابة الحجر الذي يُرمى بالمياه الحكومية الراكدة.
ويؤكد المصدر أن الجمود السياسي الداخلي لا يعني غياب الرصد الدولي للوضع في لبنان، في ظل الخوف من تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية في الاسابيع المقبلة، بغض النظر عن خيبة الأمل التي أصابت الأوروبيين نتيجة فشل باريس في المساعدة على تأليف حكومة جديدة تكون قادرة على مقاربة المشاكل الداخلية وتحاكي الرغبات الدولية كمقدمة لتقديم يد العون وأبرزها الولوج في علمية إصلاحات واسعة.
وعن تشخيصه للواقع اللبناني الراهن يقول المصدر إن لبنان أشبه بطائرة فقد قبطانها السيطرة عليها وهو يوجه نداءات استغاثة من كل حدب وصوب لتأمين هبوط آمن للطائرة لتجنب الكارثة التي قد تقع.