أتت الإنتكاسة الحكومية في لبنان ترمي بثقلها على البلد، فعمّت السوداوية في الأجواء اللبنانية، حيث لا إتضاح في الأفق: ماذا بعد؟ يزيد من تلك الإنتكاسة تأثير التخلي الدولي عن لبنان، إقتصادياً بالدرجة الأولى. حاولت عواصم عدّة رمي المسؤولية على "حزب الله"، والإيحاء بأنّه المسؤول عن الأزمات التي تعصف بلبنان من كل إتجاه. أتى ردّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لتصويب المسار، وإعادة كرة المسؤولية إلى ملاعبها.
وإذا كان الإقليمُ يمرّ الآن بين سيناريوهين لا غير: الجمود السلبي أو الحروب الصغيرة المتنقلّة في ساحات عدّة، بانت في الساحة العراقيّة، فإنّ المشهد اللبناني يتأثّر حُكماً بصدى النزاع المفتوح. لذا، تأتي خطوة الإعلان عن إتفاق الإطار بشأن ترسيم الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة مهمّة في شكلها ومضمونها، وتشكّل قاعدة لتجاوز لبنان مرحلة السخونة الإقليميّة. وهو ما يمكن إستنتاجه من كلام المسؤولين الأمميين والاميركيين الذين توالوا على إصدار بيانات تفيد بأن ما أعلنه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بشأن إتفاق الإطار لترسيم الحدود، سيساعد لبنان في أزمته الإقتصادية.
من هنا يمكن الجزم بأن خطوة برّي حقّقت إنجازات لبنانية بالجملة، هي مكاسب لبنانية:
اولاً، ستجري المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة في الناقورة، بمشاركة وساطة أميركية ستحمل المبعوث ديفيد شينكر الى لبنان بعد أيام الى بيروت. مما يؤكد ان بيروت لن تفاوض تل أبيب بشكل مباشر، بل يتكرّر مشهد الإجتماعات الثلاثية التي تجري في الناقورة عادة. مما ينسف ايّ توظيف أميركي أو إسرائيلي محتمل للخطوة في زمن التطبيع العربي مع إسرائيل.
ثانياً، يستند الاتفاق-الإطار على تفاهم نيسان 1996، وقرار مجلس الامن 1701، مما يعني حفظ حق لبنان بالمقاومة والردّ على أي عدوان إسرائيلي. وهنا يبدو جليّاً ألا تنازل عن ثوابت سعى بري طيلة عشر سنوات لتثبيتها كحقّ بديهي من حقوق لبنان. وأتى كلام رئيس المجلس بشأن التمسّك بالمعادلة الثلاثية: جيش وشعب ومقاومة، يؤكد أن لا تنازل لا عن كوب ماء ولا عن شبر ولا عن عناصر قوّة لبنان.
ثالثاً، يفرض الإتفاق المذكور تلازماً في المفاوضات التي سيخوضها لبنان حول الحدود البحرية والبرّية. وهو ما كان يمنع الإتفاق من الولادة في السنوات العشر الماضية، لكن الأميركيين والإسرائيليين رضخوا بعدها نتيجة عناد الفريق اللبناني الذي يمثّله رئيسُ مجلس النواب أمام كل المفاوضين الدوليين والاميركيين: تغيّر أربعة وزراء خارجية في الولايات المتحدة، وبقي أمامهم بري "لا يحلى على الرص".
سيتابع الجيش اللبناني الخط الأبيض الذي رسمه بري إنطلاقاً من حقوق لبنان في البحر المتوسط. وهنا يقول العميد المتقاعد الياس فرحات ان الجيش "سيستند إلى اتفاقية الهدنة الموقعة في العام 1949، حيث يشكّل خط الهدنة خط الحدود الدولية والخط الازرق اي خط انسحاب القوات الاسرائيلية موضوع القرار 1701 عام 2006. كما يستند في ترسيم البحر إلى قانون البحار، إنطلاقاً من أن لبنان دولة موقّعة على القانون المذكور، أما اسرائيل فلم توقّع هذه المعاهدة الدوليّة. ويستند ايضاً الترسيم البحري الى ترسيم الحدود اللبنانية مع قبرص وخصوصا الجهة الجنوبيّة والنقطة 23 كمرجع لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة. ايّ انه لا يعترف بالخطّ الذي اقترحه المبعوث الاميركي فريدريك هوف والذي سمّي باسمه أي "خط هوف"، وهكذا يكون الجيش اللبناني مسلّحاً بالقانون الدولي والاتفاقيات الدوليّة ذات الصلة، ومدعوما من الدولة اللبنانيّة ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والحكومة مجتمعة".
إن تلك الخطوة التي اعلن عنها بري بعد جهود مضنية في التفاوض وما تضمنه من مدٍّ وجزر وضغوطات، سوف تعود بالنفع المباشر على لبنان، لناحية سحب الذرائع الدولية لعدم دعم اللبنانيين في فترة صعبة، ومن هنا جاء مضمون البيانات الدوليّة والأميركيّة. لتأتي بعدها فوائد عدّة تنطلق من دفع الشركات للتنقيب عن الغاز في البلوكات الحدوديّة الجنوبية التي كانت تسعى إسرائيل لسرقة ثرواتها الطبيعية. لذا، يُتوقع ان تبدأ شركة "توتال" في نشاطها، خصوصاً ان بري ايضاً طلب ذلك من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة الى لبنان.
فهل هناك ربح آخر؟ .
إن اتفاق الاطار لا بد أن يحرّك عملية تشكيل الحكومة لضرورة وجود حكومة أصيلة من أجل الاتفاقية النهائية. فلننتظر مسار الحلول المتوقعة.