لن يبقى الجمود قائماً بشأن تأليف حكومة جديدة. تتوالى المؤشرات الداخلية والخارجية التي توحي بقرب إنطلاق حراك سياسي لفرض إندفاعة لبنانية بما خص الحكومة العتيدة، أهمها:
أولاً، ردود الفعل الدولية الإيجابية، ولا سيما الأميركية، حول إعلان رئيس مجلس النواب نبيه برّي الإتفاق-الإطار بشأن ترسيم الحدود الجنوبية.
ثانياً، توقيت ومضمون الإجتماع الأخير بين السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه ومسؤول العلاقات الدولية في "حزب الله" عمار الموسوي، وما حصلت عليه "النشرة" من معلومات خاصة "عن إيجابية اللقاء(...)".
لذا، يُتوقع أن يبدأ حراك فرنسي تباركه واشنطن بشأن الحكومة العتيدة التي لا بدّ من ولادتها، على الأقل لمواكبة التفاوض العسكري التقني غير المباشر، بشأن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة وإشراف الولايات المتحدة الأميركية.
لا يوجد في المشهد اللبناني حكومياً سوى مبادرة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي المطروحة وفق سيناريو تكنوسياسي 20 وزيراً: 14 وزيراً أخصائيون و6 وزراء سياسيون. فهل يُكتب لمبادرة "العزم" النجاح؟.
لم يبدأ ميقاتي تسويق مبادرته، بل هو إكتفى حتى الآن بطرحها إعلامياً، وجلس جانباً يرصد عدم وجود أية ردود سياسية سلبية، مما يطمئن رئيس "العزم" أنّ مبادرته قابلة للحياة، لأنها تفترض التوازن بين طرحين: حكومة إختصاصيين وحكومة سياسيين. وإذا كان واجب ميقاتي يقضي القيام بجولة سياسية تشمل القوى الفاعلة لشرح رؤيته والإستحصال على أجوبة بشأنها، فإن غياب تجاوب البيت الداخلي السنّي لرئيس الحكومة الأسبق لغاية الآن، يُفقدها دعماً اساسياً. فقد إلتزم ميقاتي قرارات وتوجهات رؤساء الحكومات السابقين بصفته عضواً في "نادي الأربعة"، ولم يشذ عن خياراتهم الحكومية، ولا السياسية، فهل يخذله زملاؤه الثلاثة؟.
يقتضي المنطق الطبيعي أن يدعم رؤساء الحكومات الثلاثة زميلهم الرابع في مبادرته، لا بل تزكيته رئيساً مكلّفاً لتأليف الحكومة، الاّ اذا كان طموح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تأليفها، أو إستعداد رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام لتولي المسؤولية. عندها فقط يحق لهما دعم كل طامح لمشروعه، لكن الإثنين لا يرغبان بتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة في ظل وجود العهد الرئاسي الحالي، كما قالا. ربما لإعتبارات لها علاقة بموقف سعودي حاد تجاه رئيس الجمهورية ميشال عون، ولا يرغب كل منهما بمشاكسة الرياض. وربما لأسباب خاصة لها علاقة بما يردّده الحريري عن أنه قدّم تنازلات كافية، او لعدم وجود كيمياء بين رئيس الجمهورية وسلام.
بجميع الأحوال، يبقى ميقاتي هو المرشح الأبرز من بين رؤساء الحكومات السابقين، رغم أن ما يُحكى إعلامياً عن أن "العهد الرئاسي لا يستسيغ وجود ميقاتي على رأس الحكومة". تتعدّد الأسباب، لكن المعلوم ان رئيس "العزم" أكثر صلابة من غيره بخصوص صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء. سبق ومارس تلك الصلابة في حكومتين ترأسهما سابقاً، فعانت من تصلّبه قوى "8 آذار"، جرّاء الإنحياز الدائم إلى "سنيته" وطرابلسيته. يومها كرروا القول ان التعامل مع الحريري أسهل. وكان ذلك سبباً جوهرياً إضافياً للتمسك بشخص "الشيخ سعد" رئيساً للحكومة.
يستطيع رئيس "العزم" فرض نفسه رئيساً لحكومة الإنقاذ من خلال عاملين أساسيين: علاقاته الدولية الواسعة، ولا سيما مع الفرنسيين-رعاة مشروع الحل في لبنان، ورؤيته التي سبق وقيل إنه يملكها لفرض برنامج إنقاذي مالي، كونه رجل إقتصاد ناجح. لكن المطلوب من ميقاتي أن ينجح في طمأنة المكونات اللبنانية من خلال سعيه إلى فرض رؤية إنقاذية مالياً وإقتصادياً لا تقوم على أسسس الخصخصة فقط، بل المطلوب ان تكون رؤيته تشاركية، تبدأ بدعوة كل القوى لمد يدها، كي تتحمّل معه مسؤولية إنتشال البلد من أزماته. المطلوب أن يكونَ رئيسَ حكومة وسطياً، لا رئيس حكومة "نادي الأربعة" الذي يسعى الرئيس الأسبق للحكومة فؤاد السنيورة للتحكّم به.
من هنا يستطيع ميقاتي أن يكون رئيساً لحكومة تحظى بمباركة إقليمية ودولية ضرورية لرفد لبنان بمساعدات فورية. واذا لم يستطع تحقيق ذلك، فهو سينجح في لم شمل القوى ورئاسة حكومة جامعة لإدارة الأزمة في البلد ومنع المزيد من التدهور. المطلوب اولا وقف التدهور، ثم الشروع بإستعادة الأنفاس اللبنانية.
فليحدّد ميقاتي ماذا يريد من خلال إقناع القوى بمبادرته، شرط المرونة الوطنية في تعديل المبادرة بهدف التنفيذ السريع. لا تكفي الوصفات العلاجية من دون ترجمة عملية.
تأخرت تسوياتنا الداخلية التي لا تحتمل لا استحقاقات إقليمية ولا انتظار نتائج الإنتخابات الأميركية. تحرك يا ميقاتي لملاقاة إنجاز رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي فرض إطار الترسيم بشروط لبنانية. آن أوان المبادرات الإنقاذية.