رأَى حسن إسميك - رئيس "مجلس أُمناء مركز ستراتجيك" للدّراسات والأَبحاث، في مقالةٍ له على موقع "إيلاف"، في 12 أَيلول الماضي: "يبدو حال الشّرق الأَوسط في المآسي، كأَنّما صندوق باندورا قد فُتح على أَقداره مُنذُ زمنٍ بعيدٍ، فخرجت منه كُلّ الشُّرور باستثناء اليأس، حتّى لكأَنّما أَصبحت أَقدارنا الصّعبة - نحن أَبناء هذه المنطقة - جزءًا أَصيلاً في جيناتنا، وبتنا نُعاني من سلاسلَ مُتّصلةٍ مِن المُشكلات الصّعبة والكبيرة، الّتي تكفي واحدةٌ منها، لتزُجّ بهذا الشّرق وأَهله، في أتونٍ مجهولٍ مظلمٍ لا نهاية له ولا هدى فيه، بدءًا من الأَزمات السّياسيّة وصراعاتها العنيفة، ومن ثمّ مُشكلات الفقر والتّنمية وإِخفاقاتها المُتكرّرة، مرورًا بكلّ أشكال الصّراع الإثني والدّينيّ والمذهبيّ، وليس انتهاء بمُشكلات نقص المياه والتّصحُّر والجفاف".
هاجسٌ وتحذيرٌ
وتزامُنًا مع هاجس الصّراع على المياه في الشّرق الأَوسط الّذي أَبداه إِسميك، في مقالته تلك، تحذيرٌ أَطلقه "البنك الدّوليّ" في أَحد تقاريره، عن اعتبار منطقة الشّرق الأَوسط وشمال إِفريقيا، إِحدى بُؤَر التّوتُّر في العالم، بسبب الاستخدام غير المُستدام للمياه فيها، وبخاصّة الجوفيّة، إِذ يتجاوز سحب المياه في بعض البلدان نصف مُعدّلات الحدُود الطّبيعيّة. ولِذا يتوقّع الخُبراء أَن تنطلق نزاعات القرن الحادي وعشرين، في المنطقة، مِن الموادّ الخامّ، بدءًا بالمياه الّتي ستُصبح أَكثر ندرةً في كُلّ مكانٍ، وستُؤَدّي الضُّغوط النّاجمة عن زيادة أَعداد السُّكّان وازدياد الطّلب على المياه إِلى الاستخدام الزّراعيّ، كما وستُؤَدّي الحاجة المُتصاعدة إِلى الموارد في كُلّ أَنحاء العالم، إِلى المُنافسة على المياه العذبة، وبخاصّة في دول الشّرق الأَوسط وشمال أَفريقيا، وتحديدًا البلدان الَّتي تحتوي على أَنهرٍ كبيرةٍ كالنّيل ودجلة والفرات...
صندوق باندورا
و"صندوق باندورا" في الميثُولوجيا الإِغريقيّة، هو صندوقٌ حُمل بواسطة "باندورا"، وهو يتضمّن كُلّ شُرور البشريّة من جشعٍ، وغرورٍ، وافتراءٍ، وكذبٍ وحسدٍ، ووهنٍ، ووقاحةٍ ورجاء!.
وتقول الأُسطورة أَن بعد سرقة "بروميثيوس" النّار، أَمر ابنه "زيوس" "هيفيستوس"، بخلق المرأَة "باندورا"، كجُزءٍ مِن العُقوبة على البشريَّة... وتزامُنًا حذّر "بروميثيوس" شقيقه "إبيميثوز" مِن أَخذ أَيّ هديّةٍ مِن" زيوس"، خوفًا مِن أَعمالٍ انتقاميّةٍ، غير أَنّ "إبيميثوز" لم يُصغِ، بل وتزوَّج مِن "باندورا" الّتي كانت تمتلك صندوقًا أَعطاه إِيّاه "زيوس"، وأَمرها أَلّا تفتحه، غير أَنّ "باندورا" فتحت الصُّندوق فخرجت مِنه كُلُّ شُرور البشر...
وبالعودة إِلى "هاجس" الحرب على الماء في الشّرق الأَوسط الخبيث، تُشير المُعطيات إِلى أَنّ توافُر المياه في الشّرق الأَوسط وشمال أَفريقيا، أَصبح مسأَلةً خطِرةً للغاية، بسبب الانفجار السُّكّانيّ وتغيّر المُناخ والجفاف والتّصحُّر...
ووفقًا لبيانات "البنك الدّوليّ" وتقارير الأُمم المُتّحدة، فإِنّ للشّرق الأَوسط وشمال أَفريقيا، الحصّة الأَقلّ مِن الموارد المائيّة للفرد على مُستوى العالم، بحيث لا يستطيع مُعظم بلدان هذه المنطقة، تلبية الاحتياجات المُتزايدة مِن المياه، في حين أنّ مِن المُتوقّع أَن ينخفض نصيب الفرد من المياه إلى النّصف في حلول عام 2050 .
وفي هذا المجال، قال رئيس "البنك الدّوليّ" جيم يونغ كيم: "إِنّ ندرة المياه تُمثّل فعلاً صورةً قاتمةً للوضع المائيّ في الشّرق الأَوسط، ما يُنذر بتفجُّر صراعاتٍ وتوتّراتٍ جديدةٍ فيه؛ حيث يُشكّل انعدام الأَمن المائيّ تهديدًا مُتزايدًا للمنطقة".
وإِذا وقفت البُلدان مكتوفة الأَيدي في اتّخاذ إِجراءاتٍ لتحسين إِدارة الموارد المائيّة، فإِنّ التّوقُّعات تُنذر بأَنّ بعض المناطق الّتي تضمُّ أَعدادًا كبيرةً من السُّكّان، قد تُعاني فتراتٍ طويلةً من نُموٍّ اقتصاديٍّ سلبيٍّ.
لُبنان في عَيْن "باندورا"
وأَمّا في لُبنان، فما يزيد في طين الأَزمة المائيّة الشّرق أَوسطيّة بلّةً، وإِضافةً إِلى كلِّ الأَسباب الآنِفة الذِّكر، مُعضِلة النُّزوح الأَجنبيّ إِلى لبنان، مع كُلّ ما يستتبع ذلك من ازديادٍ مُخيفٍ في استهلاك المياه، ما يُقلّل بالتّالي مِن حصّة الفرد الواحد مِن المياه في شكلٍ مُخيفٍ، إِضافةً إِلى عدم الاستفادة مِن مياه الأَمطار والمُتساقطات، وهي مسأَلةٌ مُزمنة، وقد قيل لنا ومُنذُ الأَيّام الدّراسيّة، إِنّ الكيان الإِسرائيليّ لا يسمح للُبنان في بناء السّدود، ولو اضطُرّ إِلى استخدام القُوّة... لكنّ الغريب في المسأَلة أَن تكون المُناكفات السّياسيّة في لبنان، سببًا لعدم إِشادة السّدود المائيّة!.
فحتّى لو أَمطرت السّماء... وتساقطت الثُّلوج... فإِنّ الأَزمة المائيّة في لبنان ستبقى، على ما أَكّد المُدير العامّ لوزارة الطّاقة والمياه في لبنان د. فادي قمير في 18 تشرين الثّاني 2014، في حديثٍ إِلى "الوكالة الوطنيّة للإِعلام". وأَضاف قمير: "لو تمّ تنفيذ الخطّة العشريّة الّتي وضعتها وزارة الطّاقة والمياه، في العام 2000، والّتي نالت حينها مُوافقة الحُكومة والمجلس النّيابيّ، عبر قانونٍ أَصدره، لما كانت هذه الأَزمات الّتي نعيشها على صعيد شحّ المياه"... مُستشهدًا بما قاله الشّاعر المُتنبّي: "أَنا الغنيُّ وأَموالي مواعيد".
إِنّها عِلّة التّباطُؤ في إِقرار خطّةٍ استراتيجيّةٍ لتنظيم قطاع المياه في لبنان، وفي الاستفادة منها استهلاكًا وتصديرًا. وقد أَعاد قمير التّذكير بما ورد في تلك الخُطّة، من بُنودٍ أَساسيّةٍ... ترتكز على الإِدارة المُتكاملة للمياه، تقنيًّا وحَوْكميًّا وماليًّا.
فتقنيًّا تتأَلف الخطّة من 5 بنودٍ:
1-تَأْمين مياهٍ إضافيّةٍ للشّعب اللُّبنانيّ من خلال بناء السُّدود والبُحيرات، وتغذية المياه الجَوْفيّة.
2-تَقْوية جودة شبكات المياه لوقف الإِهدار.
3-تَنْظيم الرّيّ باعتماد تقنيّات جديدة.
4-تَكْرير المياه المُبتذلة والاستفادة منها.
5–خُطّة مُبرمَجة لِما بعد 2025، تتعلّق بالمياه غير التّقليديّة كالمياه العذبة في البحار.
وتأْتي الحاجة إِلى بناء السُّدود لتأْمين الطّلب المُتزايد على المياه، إِذ قبل سنواتٍ كان عدد سُكّان لُبنان مليون نسمة على سبيل المثال. وأَمّا اليوم فالعدد، مضافًا إِليه عدد النّازحين السُّوريّين وغيرهم، قد ارتفع إِلى ما بين 6 أَو 7 ملايين نسمة. وبالتّالي إِذا لم تُشيَّد مُنشآتٌ لتخزين المياه، لا يُمكن إِيجاد مياهٍ في الصّيف.
وأَمّا كلفة الخُطَّة العشريّة الّتي كانت قبل العام 2000 حوالي 800 مليون دولار، فقد أَضحت في العام 2000 بين 3 إِلى 4 مليار دولار، وصولاً إِلى العام 2020 حيث يُفترض –منطقيًّا- أَن تتجاوز الكلفة الخمسة أَضعاف، إِذا ما أَخذنا في الاعتبار أَنّ سعر صرف الدُّولار على الليرة اللُّبنانيّة قد تضاعف بما يزيد عن الأَضعاف الخمسة!.
وأَمّا بصيص الأَمل اللُّبنانيّ في هذا الإِطار، فيكمُن في وجود وعي عند بعض السّاسة اللُّبنانيّين، إِلى هذا الخطر الشّرق أَوسطيّ الدّاهم... وإِن كان ما يُعيق كُلّ إِنجازٍ، وكَكُلّ مرّةٍ، المُناكفات السّياسيّة العقيمة!.