وسط الحديث المستمر عن تهريب المحروقات إلى سوريا عبر الحدود البرّية غير الشّرعية، بدأت تظهر معلومات عن تهريب الأدوية إلى مصر عن طريق مطار بيروت الدولي، الأمر الذي يدفع إلى طرح الكثير من المعلومات حول الأسباب التي تؤدّي إلى ذلك، في ظلّ العجز عن ضبط هذه العمليات.
على هذا الصعيد، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ آليات الدعم المعتمدة في لبنان تساعد على تنشيط تلك العمليات، نظراً إلى الفارق في الأسعار بين السوق اللبناني والأسواق الأخرى، وتلفت إلى أنّه على مستوى المحروقات يبلغ سعر صفيحة المازوت في سوريا (على أساس سعر صرف 2300 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي) 6.95 دولار بينما سعرها في لبنان هو 1.7 دولار (على أساس سعر صرف 8700 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي)، أما سعر "تنكة البنزين (20 ليترا) في سوريا فهو 8.69 دولار في حين هو في لبنان 2.8 دولار.
بالنسبة إلى الأدوية، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ الأمر نفسه يتكرر لكن مع فارق جوهري، يكمن بأن ما يتمّ تهريبه من السوق اللبناني هو الدواء المصنف "براند" نظراً إلى أن "الجينيريك" يكون سعره منخفض، وتوضح أنّ المشكلة الأساس في لبنان يتم دعم جميع أنواع الأدوية: "البراند" و"الجينيريك"، بينما المنطق كان يفرض أن يتم توجيه الدعم نحو الفئة الثانية، كي لا يؤدي ذلك إلى إنخفاض أسعار الأولى بشكل كبير، الأمر الذي يفتح الباب أمام تنشيط عمليات التهريب على نطاق واسع، ويضاعف من الفاتورة الطبّية بدل السعي إلى خفضها.
من وجهة نظر هذه المصادر، من المفترض العمل على إعادة النظر في آليات الدعم في لبنان، نظراً إلى أنها تستنزف إحتياط البلد من العملات الصعبة من دون أن تؤدّي الأهداف المرجوّة منها، في ظلّ الحديث عن التوجّه إلى رفع الدعم، في الأشهر المقبلة، بسبب عدم قدرة مصرف لبنان على الإستمرار بذلك، في حال لم تحصل أيّ تطورات جديدة، خصوصاً على المستوى السياسي، غير متوقعة حتى الساعة، وتؤكّد أنه طالما هناك فارق كبير في الأسعار، بين سوقين متقاربين من الناحية الجغرافية، من الصعب ضبط عمليات التهريب.
قبل سنوات، كان لبنان هو المستفيد من التفاوت في الأسعار، حيث كان يتم تهريب المحروقات من سوريا، بينما يتمّ تهريب الأدوية، ولو على الصعيد الشخصي، من أسواق أخرى، منها تركيا وإيران وسوريا على سبيل المثال.
في هذا الإطار، تكشف مصادر طبية، عبر "النشرة"، أن الفصل بين دعم "الجينيريك" و"البراند" في الوقت الراهن غير ممكن، نظراً إلى أن ما يقارب نصف عدد الأدوية لا وجود لـ"جينيريك" لها في لبنان بسبب غياب الوكلاء الذين من المفترض أن يعملوا على إستيرادها، وتشير إلى أنّ معالجة هذه المسألة يتطلب سياسة دوائيّة جديدة تعتمد على الـ"جينيريك"، وهي بحاجة بعد إقرارها إلى ما يقارب العام كي تصبح قابلة للتطبيق عملياً.
ما تقدم يفتح الباب أمام سؤال أوسع يتعلّق بالأسباب التي حالت دون وضع مثل تلك السياسة الدوائيّة في الماضي، خصوصاً أنّ البلاد دخلت في مسار الأزمة الماليّة والإقتصاديّة الحاليّة منذ ما يقارب العام تقريباً، أي أنه لو وضعت منذ البداية لبدأنا الإستفادة منها اليوم أو بعد أشهر قليلة، بدل أن يتم إنطلاق البحث فيها حاليًّا.
على هذا الصعيد، يشير الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الأخطر من كل ذلك هو ما يحصل في موضوع فتح الإعتمادات على أساس السعر الرسمي، ويوضح أن التاجر الذي يذهب إلى فتح إعتماد بقيمة 100 مليون ليرة لشراء بضائع معينة، أي ما يقارب 70 ألف دولار، ليس هناك ما يضمن أنها جميعها دخلت إلى لبنان، نظراً إلى غياب آليّات الرقابة الفعليّة، ويؤكّد أن هذا ما يحصل من الناحية العمليّة، حيث يحقق التجار أرباحا طائلة من دون أن يقوموا بأيّ عمل، نظراً إلى أنهم يبيعون البضائع في الخارج بالدولار.
ويلفت شمس الدين أنه منذ البداية كان ضد موضوع الدعم القائم، حيث اقترح وقتذاك أن يصار إلى تقديم قسائم لشراء المحروقات لوقف التهريب، على أن تقوم وزارة الإقتصاد باستيراد البضائع، بالنسبة إلى السلع الغذائيّة، ثم تعطيها لوزارة الشؤون الإجتماعيّة لتوزّع على الأسر الأكثر فقراً، ويؤكّد أنّ موضوع البطاقة التموينيّة لن يقود إلى معالجة المشكلة، نظراً إلى أن ليس هناك ما يضمن عدم شراء سلع غير أساسية من خلالها، أو أن يصار إلى التحايل عبرها بين المواطنين وأصحاب المؤسسات، بطريقة يحصل فيها المواطن على جزء من المبلغ نقداً، كما حصل مع النازحين السوريين الذين كانوا يحصلون على مساعدات بالطريقة نفسها من برنامج الغذاء العالمي.
في المحصّلة، يعتبر شمس الدين أن المطلوب لوقف هدر أموال اللبنانيين، من خلال آليّات الدعم المعتمدة، وقف الدعم على المحروقات بإستثناء وسائل النقل العموميّة، على أن يصار لاحقاً إلى توزيع قسائم على الخاصة والعموميّة، لأنّ الهدر الأكبر هو في هذا المجال، ويؤكّد أنّ هذا الأمر سيساعد في وقف عمليات التهريب.
أما بالنسبة إلى الأدوية، فإن المطلوب، من وجهة نظر شمس الدين، التأكد من مصدر التهريب، عبر متابعة آلية البيع التي تحصل في الصيدليات من قبل وزارة الصحة، في حين يجب وقف الدعم على السلع الغذائيّة الذي لم يستفِد منه المواطن، على أن يتمّ دفع الأموال إلى أصحاب الودائع الأمر الذي يساعد في تحريك الدولار في السوق.