بالرغم من ان الفوضى تطرق الباب نتيجة الانفلات الجنوني لأسعار المواد الغذائية، والخوف من الانفجار الشامل فور الإعلان عن رفع الدعم عن بعض السلع لا سيما الدواء والبنزين، فإن عجلة تأليف الحكومة مكربجة وسط غياب أي مؤشرات توحي بأن هذا الاستحقاق سيسلك طريقه إلى الإنجاز في وقت قريب، حيث ان المعطيات تفيد بأن الأسباب التي منعت الرئيس المكلف مصطفى أديب من تأليف الحكومة والاعتذار ما تزال على حالها، ولم يطرأ عليها أي متغيرات في ظل انقطاع شرايين التواصل بين المسؤولين باستثناء «اللقاء الجوي» الذي جمع الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي في رحلة الذهاب والاياب إلى الكويت حيث عزيا بأمير البلاد والذي لم ترشح عنه أي معلومات يمكن وضعها في خانة الإيجابيات على صعيد معالجة الازمة الحكومية.
ووفق المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر سياسي فإن تحديد موعد جديد للاستشارات النيابية الملزمة ربما يتأخر بعض الوقت، وذلك عائد لكون الأطراف المعنية لم تتفق بعد على الشخصية التي يمكن تكليفها للتأليف، ويبدو ان الرئيس ميشال عون متمسك بخياره الرامي إلى الاتفاق على عملية التأليف في سلّة واحدة لتجنب الوقوع مجدداً في مطب توزيع الحقائب وما شابه.
والحال هذه فإن ما يُجمع من معلومات يتقاطع عند مسلمة واحدة وهي ان المراوحة في أزمة تأليف الحكومة مرشحة للاستمرار لأمد طويل قد يمتد إلى ما بعد الانتخابات الأميركية الشهر المقبل حيث ان انقطاع سبل التواصل بين القوى السياسية المعنية بأمر التأليف وغياب أي تدخل خارجي بعد اعتذار أديب لا يوحي كل ذلك بإمكانية حصول حلحلة في هذا الملف في وقت قريب، وهو ما يعني ان لبنان دخل مرحلة انتظار مبادرة ما من وراء البحار تحرك المياه الحكومية الراكدة، وفي هذا المجال ترددت معلومات غير مؤكدة عن إمكانية إيفاد الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أحد المسؤولين لديه لإعادة استخراج رأي المسؤولين والاطلاع على آخر المعطيات المتعلقة بعملية التأليف من دون ان يحمل أي مبادرة أو فكرة تتعلق بتشكيل الحكومة.
ويؤكد مصدر وزاري مطلع على السياسة الفرنسية عن كثب بأن فرنسا دولة قائمة بأجهزتها السياسية والدبلوماسية والأمنية والمخابراتية، وبالتالي فإنها لا تهدأ في متابعة الأوضاع على مساحة الكرة الأرضية، فكيف الحال بالنسبة إلى لبنان. صحيح ان مبادرة الرئيس ماكرون تفرملت بُعيد إعلان مصطفى أديب اعتذاره، غير ان قصر الاليزيه لم يتوقف عن اجراء مشاورات بعيدة عن الأنظار متابعة للملف اللبناني من مختلف جوانبه لا سيما الملف الحكومي.
الفوضى تطرق الباب.. ورفع الدعم عن بعض السلع سيؤدي إلى الانفجار الكبير
وتكشف المصادر عن ان الخارجية الفرنسية تميل إلى إيفاد مبعوث لها إلى لبنان لمتابعة الأمور عند ما توقفت، غير ان الرئيس ماكرون لا يحبذ حصول ذلك تزامناً مع وصول السفيرة الفرنسية الجديدة إلى لبنان والقادمة من مكان عملها السابق في المكسيك، حيث ينتظر ان تجري السفيرة الجديدة مروحة من الاتصالات والمشاورات مع مختلف الأفرقاء اللبنانيين وفي ضوء ذلك ترفع تقريراً مفصلاً للخارجية الفرنسية عن نتائج ما قامت به، وفي ضوء ذلك يقوم رأس الدبلوماسية الفرنسية بتحديد المسار الذي ستتحرك على أساسه مجدداً باريس.
وفي تقدير المصدر الوزاري ان الوضع في لبنان بات مرتبطاً بما يجري على الجبهة الأميركية - الإيرانية، وكذلك بانتظار الانتخابات الأميركية مع بداية تشرين الثاني، وما إذا كان الرئيس ترامب سيعود إلى البيت الأبيض أم ان الحظ سيخذله ويأتي خلف له، وعدا ذلك فإنه لا توجد أي معطيات في الأفق السياسي تؤشر إلى إمكانية احداث خرق في جدار أزمة التكليف للولوج من خلالها إلى حلحلة عقدة التأليف.
وفي هذا السياق، فإن مصادر سياسية متابعة تكشف انه حتى الساعة لم يتم التداول بأي اسم مرشّح لتولي عملية التأليف، وان الجمود ما زال يتحكم بهذا المسار، وما يُعزّز الاعتقاد بوجود مشكلة في ما يتعلق بالشخصية التي ستكلف للتأليف هو انكفاء قصر بعبدا عن تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة.
وتؤكد هذه المصادر ان جسور التواصل الداخلية شبه مقطوعة، وهو ما يدل على اننا سنكون امام مرحلة من الانتظار حتى تتبلور الأمور أكثر، خصوصاً وأنه جرى في بحر الأسبوع الفائت ما يشبه جس النبض حول إمكانية تأليف حكومة «تكنوسياسية» يغلب عليها طابع الاختصاصيين، وهذا الطرح يتم التداول به وإن بشكل خجول، غير انه من الممكن الذهاب إليه من منطلق ان ما يجري في المنطقة وعلى مستوى ترسيم الحدود يحتاج إلى حكومة مطعمة بسياسيين.
وتجزم المصادر بأن ملف التأليف بات يحتاج إلى معجزة وفي حال لم تحصل هذه المعجزة في وقت قريب، يكون الملف الحكومي قد دخل في غياهب الانتظار الطويل، لأن القاعدة التي سينطلق منها رئيس الجمهورية لاجراء الاستشارات هي قاعدة «السلة» الكاملة، وفي حال لم يحصل هذا الأمر، فإن ملف الحكومة سيبقى معلقاً على حبل الانتظار إلى ما شاء الله، وربما يفرض هذا الأمر تعويم الحكومة المستقيلة بأية وسيلة لتقوم بالحد الادنى مما هو مطلوب لمقاربة الملفات المطروحة والتحديات المقبلة.
وتعرب المصادر عن اعتقاده بأن تأليف الحكومة هو الآن بين فكي الكباش الحاصل بين واشنطن وطهران، حيث لا تبدي أي جهة أي استعداد لتقديم تنازلات في سبيل تسهيل عملية تأليف الحكومة في لبنان وهو ما تدركه فرنسا صاحبة المبادرة التي تعلق آمالاً كبيراً الآن على حصول تقدّم على خط ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل علّ ذلك يؤدي إلى حصول مرونة في المواقف الداخلية والخارجية تؤدي إلى الدفع في اتجاه ولادة الحكومة على أساس المبادرة الفرنسية التي ما تزال مقبولة من كل الأطراف اللبنانيين.