لم يرفع الدعم عن الدواء بعد ولم ترتفع أسعار الأدوية بشكل جنوني ولكن، بمجرد أن ترددت معلومات عن نية لدى مصرف لبنان برفع الدعم حتى فقدت أدوية من الصيدليات، وبات على المرضى الذين يحتاجونها أن يرسلوا أحد أقربائهم كي يضيّع ساعات وساعات متنقلاً بين الصيدليات للحصول على علبة دواء واحدة تكفي العلاج لشهر واحد فقط. تخيلوا مثلاً أن مريضاً يعاني من السكّري، جال على 23 صيدلية في ساحل المتن الشمالي للحصول على علبة دواء واحدة ولم يتمكن من شرائها كونها مفقودة؟ وأيضاً أحد اقرباء هذا المريض بحث عن علبة الدواء عينها بين صيدليات ساحل كسروان وجبيل والبترون ومن دون نتيجة؟ كل ذلك يحصل في لبنان الذي كان يُعرف بمستشفى الشرق الأوسط.
فلماذا كل هذه الأزمة؟ وهل نحن أصلاً في أزمة دواء أم أن ما نشهده ناتج عن الهلع القائم وعن فقدان الثقة بين المواطنين والسلطة؟.
اسباب عدة ادت الى ما وصلنا اليه على صعيد أزمة الأدوية، يقول المتابعون لهذا الملف، منها ما بدأ منذ أسابيع فقط لكن نتيجته إنعكست بسرعة على المواطنين، ومنها ما يعود الى بداية أزمة إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة أي الى 17 تشرين الأول 2019.
السبب الأول والأكثر تأثيراً من الناحية السلبية، هو حالة الهلع التي نشأت منذ شهر تقريباً بعد تسريب معلومات عن أن المصرف المركزي ينوي رفع الدعم عن الدواء، وقبل أن يفعل تهافت الميسورون وإشتروا كميات كبيرة من الأدوية وخزّنوها في منازلهم كل ذلك والمخزون لدى الشركات المستوردة أصلاً يعاني من شح بسبب أزمة الإعتمادات بين الشركات ومصرف لبنان.
المتابعون لملف الدواء يكشفون أن السبب الثاني للأزمة يمكن إختصاره بالصيادلة أنفسهم، إذ ان عدداً منهم يتظاهر امام المريض بأن الدواء المطلوب غير موجود لديه في الصيدلية وذلك بهدف بيعه الى زبائن دائمين لا الى أي عابر سبيل شاءت الصدفة أن يدخل الى هذه الصيدلية.
السبب الثالث مرتبط بالإعتمادات المالية وبسعر صرف الدولار إذ أن نسبة عالية جداً من الأدوية في لبنان تستورد ويتأثر إستيرادها مباشرة بسعر الصرف.
أضف الى كل ما تقدم، يقول العارفون بأن تهريب الأدوية الى الخارج والإستفادة من دعمها في لبنان يساهم أيضاً بفقدان عدد كبير منها حتى ولو أن الكميات المهربة ليست كبيرة وتهرب عبر حقائب محمولة في المطار وهذا ما كشفته أكثر فأكثر التوقيفات التي سجلت في الأيام القليلة الماضية داخل المطار.
حتى ولو حصل رفع الدعم عن الدواء بشكل تدريجي كما يسوّقون ويرددون، الأكيد أن ما من أحد سيقبل بتلقف كرة النار هذه، لا رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب ولا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا وزير الصحة حمد حسن ولا وزير الإقتصاد، ولا حتى حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، فكيف سيرفع الدعم إذاً؟ فلننتظر التطورات التي ستكشف تفاصيلها مسار هذا الملف، وعلى أمل ألا نحتاج أو تحتاجون الى أي دواء خلال هذه الفترة.