يقترب لبنان شيئاً فشيئاً من نهاية العام 2020 وسط تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، وقلق شديد من أن يفقد معه اللبنانيون ما تبقى من دعم على المواد والسلع الأساسية وفواتير الهاتف والكهرباء، ودفع القروض بالسعر الرسمي للدولار إلخ… فهذا الأمر بات يثير الفزع والرعب لدى عامة المواطنين وخصوصاً أصحاب الدخل المحدود والذين يقبضون رواتبهم بالليرة وهم النسبة الأكبر من اللبنانيين… الذين أصبحوا حالياً بالكاد يستطيعون توفير أبسط احتياجاتهم الحياتية، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية، في ظلّ تراجع قيمة الليرة إزاء الدولار والارتفاع الحاصل في الأسعار، رغم وجود الدعم…
لا شك في أنّ استمرار الواقع الراهن من دون تشكيل حكومة منسجمة وتملك برنامجاً وخطة لمواجهة الأزمة والحؤول دون تدهور الوضع المعيشي أمر يصبّ في مصلحة الضغوط الأميركية الغربية التي تعمل على تشديد الحصار ومفاقمة الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية لفرض الشروط الأميركية الهادفة إلى تشكيل حكومة تنفذ الأهداف الأميركية القاضية بإخضاع لبنان لشروط صندوق النقد الدولي، وتوقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية والبرية يحقق الأطماع الصهيونية في الاستيلاء على جزء هام من ثروات لبنان…
والسؤال المطروح هو التالي:
هل من إمكانية لمنع الانزلاق إلى هذا الشرك الأميركي الخطير الذي يحوّل لبنان إلى رهينة لشروط صندوق النقد وخاضعاً بالكامل للهيمنة الأميركية، وكذلك للشروط الصهيونية التي تتعدّى السعي للسطو على قسم من ثروات لبنان، إلى محاصرة المقاومة ونزع سلاحها الذي يردع العدوانية والأطماع الصهيونية.
في هذا السياق يمكن القول إنه توجد إمكانية، لكنها مرتبطة بتوافر إرادة سياسية تستند إلى تأييد غالبية نيابية وشعبية تحسم خيارها في الانتقال بالبلاد من حالة التدهور المستمرّ والخطر الذي يتهدّد اللبنانيون في معيشتهم وأمنهم واستقرارهم… وبالتالي عدم انتظار نضوج الفريق الأميركي السعودي لتشكيل حكومة وفاق، لأنّ هذا الفريق يصرّ على مواصلة سياسة استغلال تفاقم الأزمة لفرض حكومة انقلابية تتولى تنفيذ الأجندة الأميركية… على أنّ عدم الانتظار، يستدعي بالضرورة أخذ زمام المبادرة بالمسارعة إلى الاتفاق بين أطراف التحالف الوطني على تسمية رئيس للحكومة وتأليف حكومة جديدة تحوز على أوسع تمثيل ممكن، لكن على أساس تنفيذ برنامج إنقاذي، يخرج لبنان من ارتباطه الأحادي اقتصادياً ومالياً بالدول الغربية، ويضعه على سكة تنويع خياراته الاقتصادية بما يمكنه من إقامة علاقات مع كلّ الدول في الشرق والجنوب والشمال كما في الغرب، من خلال بدء قبول عروض المساعدات والمشاريع العراقية والإيرانية والصينية والروسية، غير المشروطة، والعمل على إعادة العلاقات مع سورية إلى طبيعتها.. وإطلاق التنافس بين جميع الدول في الغرب والشرق على تقديم عروض المساعدات وتنفيذ المشاريع التي تخرج لبنان من أزماته المتعددة من دون شروط، أو تحميله أية أعباء مالية غير قادر على تحمّلها… وهو ما عكسته العروض الإيرانية العراقية الصينية غير المشروطة، والتي قدّمت على الأسس التالية…
أولاً، بيع لبنان جميع حاجاته من مشتقات النفط والغاز بالليرة اللبنانية. (العرض الإيراني).
ثانياً، مبادلة حاجات لبنان من النفط والفيول بمنتجاته الزراعية والصناعية وخدمات صحية وتعليمية، (العرض العراقي).
ثالثاً، إقامة معامل الكهرباء والنفايات وسكك الحديد والأنفاق والسدود وغيرها من المشاريع الهامة بالنسبة للبنان وفق نظام الـ BOT (العروض الصينية).
إنّ سلوك هذا الخيار هو الذي يجعل لبنان…
1 ـ يغادر مربع الأزمة المتمادية، ويتجنّب خطر رفع الدعم، الذي يقود، في حال تمّ، إلى مزيد من انهيار القدرة الشرائية للمواطنين مما يتسبّب في حال حصل بتداعيات سلبية على كلّ الصعد.
2 ـ يضع حداً لنزيف احتياطات لبنان من العملات الصعبة، ويؤدّي إلى تنشيط الاقتصاد الإنتاجي وتوفير فرص العمل، وحلّ أزمات الكهرباء والنفايات وزحمة السير إلخ… وبالتالي تنشيط الحركة الاقتصادية ووقف الاستنزاف الناتج عن العجز الحاصل في هذه القطاعات الخدماتية، وخفض عجز الموازنة، واستعادة موارد الدولة وتعزيزها، بدلاً من اللجوء إلى تخصيص القطاعات الخدماتية الرابحة، التي تدرّ عائدات هامة على خزينة الدولة، والتي هي بأمسّ الحاجة لتعزيز وزيادة عائداتها وليس تقليصها.
3 ـ يجنّب لبنان الوقوع في فخ شروط صندوق النقد الدولي والدول المانحة التي تربط تقديم القروض بقبول لبنان حزمة من الإجراءات الإصلاحية، تبدأ ببيع ما تبقى من أملاك الدولة، وتقليص حجم الدولة، وفرض ضرائب جديدة غير مباشرة على الطبقات الشعبية، ورفع الدعم عن المواد والسلع الأساسية.
4 ـ يحصّن موقف لبنان في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، لتثبيت كامل حقوقه، ومنع العدو الصهيوني، بواسطة الحصار الاقتصادي الأميركي والعقوبات، من تحقيق أطماعه في الاستيلاء على جزء من ثروات لبنان في مياهه الإقليمية الخالصة.. وبالتالي يضع حداً لابتزاز الغرب للبنان.
أما في حال عدم إقدام التحالف الوطني على أخذ زمام المبادرة، فإنّ الفريق الأميركي سيعمد إلى استغلال تفاقم الأزمات لمحاولة فرض شروطه لتشكيل حكومة موالية له بالكامل تحت عنوان حكومة اختصاصيين مستقلين، وفي حال استمرار الفريق الوطني في رفض الموافقة على تسليم السلطة للفريق الأميركي، سيعمد الأخير إلى شنّ حملة سياسية وإعلامية واسعة تحمّل التحالف الوطني مسؤولية تفاقم الأزمة وانهيار وتدهور أوضاع الناس المعيشية، وبالتالي تحريضها على النزول للشارع لزيادة منسوب الضغط على رئيس الجمهورية وتحالف الأغلبية لدفعهم إلى الموافقة على قيام الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة اختصاصيين ينفرد هو في اختيار وزرائها.. مما يشكل انقلاباً على المعادلة السياسية التي تمخضت عن نتائج الانتخابات النيابية.
من هنا فإنّ الاحتمالات من الآن إلى يوم الخميس المقبل موعد الاستشارات النيابية، هي…
{ إما الاتفاق على رئيس مكلف لتأليف حكومة متفق عليها ربطاً بالتسمية حتى لا يتكرّر ما حصل مع الرئيس مصطفى أديب بعد تسميته من دون اتفاق مسبق على ماهية وطبيعة وبرنامج الحكومة الجديدة ومن يسمّي وزراءها.
{ أو يتكرّر سيناريو عدم الاتفاق نتيجة إصرار الرئيس سعد الحريري على موقفه في رفض التوافق، وتذهب الأغلبية النيابية مجدّداً إلى تسمية رئيس مكلف من قبلها لتشكيل حكومة جديدة تكون هذه المرة منسجمة وتملك رؤية وبرنامج لإخراج لبنان من أزماته ومن ابتزاز الغرب…
{ أو يجري تأجيل الاستشارات من قبل رئيس الجمهورية، باقتراح من رئيس مجلس النواب نبيه بري… ويتمّ تفعيل الحكومة المستقيلة برئاسة الرئيس حسان دياب لمواجهة خطر تفاقم الأزمة…