تنشغل دول الإقليم بأزمات متنقلة: حرب ناغورني كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا. مواجهات العراق بين الأميركيين-"الحشد الشعبي". سباق الأتراك-الأوروبيين الحاد بعد معاودة أنقره إرسال سفن التنقيب عن الغاز إلى المياه المتنازع عليها بين تركيا واليونان، على وقع إرهاصات إشتباكات محتملة بين قبرص اليونانية وقبرص التركية، إضافة الى حروب اليمن وليبيا، وما يتفرع عنها من إشتباكات سياسية وعسكرية وأمنية عابرة لإهتمامات القارات، في ظل دخول الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الحرج عشية إجراء انتخابات رئاسية ستترك نتائجها تداعيات على مستوى العالم. كلها عوامل تُشغل العواصم عن متابعة التفاصيل اللبنانية حالياً.
بالتزامن يدخل لبنان مرحلة التفاوض التقني بشأن ترسيم الحدود الجنوبية، في ظل تفلت سياسي-إقتصادي-معيشي-أمني. ليتبيّن أن توقيت دخول مساحة التفاوض غير المباشر حدّدته الموافقة الأميركية على شروط لبنان التي فرضها رئيس مجلس النواب نبيه بري في إتفاق إطار، بعد عشر سنوات من الرفض الأميركي-الإسرائيلي. مما يؤكد أن التوقيت كان أميركياً وليس لبنانياً. فلو شاءت واشنطن توقيتاً سابقاً، لكانت وافقت على شروط بيروت في هذا الإطار.
لكن ماذا عن توقيت قبول رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تحمّل مسؤولية تأليف حكومة جديدة؟.
كان "الشيخ سعد" يرفض تلك المسؤولية خلال العهد الرئاسي الحالي. قيل هنا إن أحد أسباب هذا الرفض ايضاً كان بسبب عدم مباركة المملكة العربية السعودية ترؤسه حكومة تضم "حزب الله". علماً ان الرياض مارست سياسة الحياد الكامل سراً وعلناً إزاء لبنان في الفترة الماضية، ولا تزال. وهي رمت الكرة في ملعب اللبنانيين، لكنها صوّبت على "حزب الله" في كل مواقفها. لم يلمس اللبنانيون في العقود الماضية حياد المملكة المذكورة إزاء لبنان، كما هي تفعل الآن. بعضهم يصف هذا التصرف "بالحياد السلبي". رغم ان التمدد التركي ينافس السعودية في لبنان، وقد صار واضحاً ولا يقتصر على بيئة سياسية واحدة، ولا على منطقة لبنانية محدّدة. على الأقل، يمكن قراءة أبعاد الزيارات والمواقف المتبادلة بين النائب فيصل كرامي والأتراك مثلاً، التي حصلت في الأيام القليلة الماضية. يردّد زوّار تركيا مقولة: إسطنبول صارت محجّة لشخصيات لبنانية وفلسطينية.
إذا صحّ السيناريو عن "عدم رغبة الحريري بتولي رئاسة الحكومة، لعدم وجود إشارة سعودية"، فلماذا قبل الآن بتلك المسؤولية؟.
يقول مطّلعون إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من طالب الحريري بالإقدام في خطاه نحو السراي الحكومي، لذا قرر "الشيخ سعد" أن يطلّ تلفزيونياً لترويج مشروعه والإعلان عن ترشّحه "الطبيعي" لرئاسة الحكومة. يضيف المطّلعون أنفسهم أن ماكرون إستحصل على "عدم ممانعة سعودية حيال ترؤسه لمجلس وزراء لبنان الآن"، لكن ذلك لا يعني ضوءاً أخضر في الرياض للحريري. لأن المعلومات تقول ان "موقف المملكة بشأن الحكومة سيُحدّد بناء على تركيبتها، وهي لا تريد أن تضم "حزب الله" تحديداً". وبناء على ذلك، يمكن القول أن الضوء السعودي الأحمر إنتهى، ليحلّ مكانه الضوء الأصفر فقط.
ومن هنا يسعى الحريري لتأليف حكومة غير سياسية، ويضع كل جهده في هذا الإطار، تحت عنوان "إنقاذ لبنان إقتصاديا". لكن الهدف هو إبعاد الحزب المذكور لعدم إستفزاز السعوديين، وتحويل الضوء الأصفر الحالي إلى ضوء اخضر للحكومة العتيدة.
هل ينجح الحريري؟.
الجواب تحدده مشاورات سياسية مفتوحة لم تصل حتى الآن إلى حلول.