بعد ثلاثين عاماً على عملية 13 تشرين الأول 1990، كلّ المؤشّرات تؤكّد أنّ "التيار الوطني الحرّ" يتعرّض لعملية إقصاء جديدة أو لحرب إبادة، سبق أن تعرّض لها في ذلك التاريخ... ففي العام 1990، وتحديداً في منتصف تشرين الأول، تمّت إزاحة العماد ميشال عون، رئيس الحكومة الإنتقالية، عبر عملية عسكرية سريعة نفّذتها قوات الجيش السوري، بموافقة عربية وأميركية، وتغطية اسرائيلية، وترحيب لبناني... انتهى "الكابوس"، ومع انتهائه، دخل سمير جعجع السّجن، وتمّ تطبيق اتفاق الطائف على نحو استنسابي وعلى حساب فئة من اللبنانيين. والأهمّ من كلّ ذلك كان، دخول لبنان العصر السوري، وإنشاء مقاومة مدنية عارضت الإحتلال السوري للبنان، عصبها كان شباب "التيّار الوطني الحرّ" الذي تكوكب حول أفكار أطلقها العماد ميشال عون من منفاه، وتقوم على تحرير لبنان وتحرّر الانسان فيه...
دام هذا العصر حتّى العام 2005. في ذلك العام، تلاقت التطورات الإقليمية مع المقاومة الداخلية وأدّت الى انسحاب السوري من لبنان، ما سمح للعماد عون بالعودة، ولجعجع بالخروج من السجن. توّج العماد عون حياته حينما انتُخب في العام 2016 رئيساً للجمهورية، واعتقد الكثير من اللبنانيين بأنّ لبنان سيدخل مرحلة جديدة من الإستقرار السياسي والبحبوحة الإقتصادية، خصوصاً مع حكومة العهد الأولى التي تشكّلت مع انتهاء الإنتخابات النيابية في العام 2018. ولكن، يبدو أنّ الأزمة الإقتصادية حطّمت آمالهم، وقضت على وعود العهد.
كان لا بدّ من هذه المقدّمة التاريخية الطويلة، للمقارنة بين ما حصل في 1990 وما يحصل اليوم، ولمعرفة هل أنّ "التيّار" يتعرّض لعملية اغتيال من جديد؟ وهل أنّ الظروف تتشابه؟ ومن يتحمّل مسؤولية كلّ ما يشهده لبنان اليوم؟؟
أخطاء "التيار" وخطاياه
كلّ المعطيات الظاهرة تشي بأنّنا أمام عملية جديدة للتخلّص من "التيّار"، عبر إفشال عهد الرئيس المؤسّس، ومنعه من تحقيق إنجازات كانت في صلب برنامجه الإصلاحي... ولكن من خلال التعمّق في الوقائع قليلاً، يتأكّد بأنّ "السلطة العميقة" في الدولة اللبنانية تعتمد، لا بل تستند، الى أخطاء وخطايا يرتكبها التيّار... فلنتعمّق في الوقائع قليلاً:
- انتهت الإنتخابات النيابية في العام 2018، وانتهى معها شهر العسل مع كلّ القوى والأحزاب التي تحالف معها "التيّار": العلاقة مقطوعة مع تيّار"المستقبل"، ونار تحت الرماد مع حركة "أمل"، ومع "حزب الله" كرهٌ مكبوت وصراحةٌ مفقودة.
- مشاكل وخلافات من دون أفق مع كلّ المكوّنات المسيحية، بما فيها الحليفة.
- مقاطعة غير مفهومة للمجتمع الدولي والعربي.
- كتلة من نواب لا لون لها ولا رائحة، قنابل صوتية لا تُقدّم ولا تؤخّر.. يخضعون لرئيس يُديرهم بتقنية الـ"الواتساب"، لا نقاش ولا نقد بنّاء...
- وزراء لا يستطيع التاريخ أن يذكر لهم إنجازاً واحداً...
- تعيينات إدارية فاشلة، أو تعطيل لأي إصلاح في الإدارة.
- التمنّع عن تطبيق قوانين نافذة بحجج واهية.
- محاولة للسيطرة على المنطقة التي ينتمي اليها رئيس الحزب، في تقليد بشع لما يقوم به حكّام المناطق الذاتية اللبنانية.
- كلّ من يتحالف مع "التيار" يصبح قدّيساً غير فاسد ومن يتخاصم معه يُحال الى محاكمة الفساد المطّاطة.
- استعمال صلاحيات دستورية في غير موقعها الطبيعي.
- جيش الكتروني لا يُجيد إلّا لغة الشتائم.
- تعاط مزاجي مع الإعلام والإعلاميين وتصنيفهم وِفقاً لمواقفهم من أداء "التيّار".
والأمثلة لا تنتهي عند هذا الحدّ، وتؤكّد أنّنا امام محاولة جديدة للقضاء على "التيّار"، ولكن مع مفارقتين أساسيتين: الأولى ثانوية وهي أنّ قيادة "التيّار" وأداء رئيس الجمهورية يتحمّلان مسؤولية كبيرة في إتمام عملية 13 تشرين جديدة... أما المفارقة الثانية والأساسية فهي أنّ لبنان الذي ناضلنا من أجله يوماً يكاد يضمحلّ على عهد العماد ميشال عون إلّا اذا... وهنا تكمن المأساة و"التراجيديا" التي عانى ويعاني منها جيل آمن يوماً بأفكار ومبادئ ولم يتبقّ منها الّا سراب وخراب ومآس...