حتى فجر اليوم، كان الحديث عن الإختلاف في وجهات النظر حول الوفد اللبناني في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع الجانب الإسرائيلي مجرد تسريبات أو تحليلات إعلامية، إلا أن البيان الصادر عن "حزب الله" و"حركة أمل" أكد ما تم الحديث عنه، حول عدم موافقتهما على تركيبة الوفد الذي شكله رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد أن كانت رئاسة مجلس الوزراء قد عبرت عن إمتعاضها أيضاً من إستبعادها عن عملية التشكيل.
في هذا الإطار، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن هذه المفاوضات، منذ لحظة الإعلان عن إتفاق ترسيم الحدود من قبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري، هي محل إنقسام بين اللبنانيين، نظراً إلى هواجس البعض من أن تكون تمهيداً نحو تطبيع العلاقات، بالرغم من نفي هذا الأمر من قبل المسؤوليين اللبنانيين والإسرائيليين والأميركيين.
في هذا السياق، يشير الخبير العسكري العميد المتقاعد أمين حطيط، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه في تاريخ العلاقات مع الجانب الإسرائيلي هناك 4 محطات: لجنة الهدنة في العام 1949، إتفاق 17 أيار في العام 1983، تفاهم نيسان في العام 1996، الإنسحاب في العام 2000. ويوضح أنه في المحطة الأولى كان هناك لجنة ثلاثية مؤلفة من عسكريين، بينما في محطة إتفاق نيسان كان هناك لجنة خماسية من عسكريين فقط، في حين أنه في محطة العام 2000 لم يتم تشكيل أي لجنة مشتركة.
خلافاً لهذه المراحل، يلفت حطيط إلى أن محطة العام 1983، أي إتفاق 17 أيار، كانت برئاسة عسكري هو العميد عباس حمدان وعضوية دبلوماسيين، وكانت أقرب إلى التفاوض المباشر بين الجانبين، إلا أنه يعتبر أن المحطة الحالية، أي مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، هي في العمق تقترب من تفاهم نيسان أو إتفاقية الهدنة، لكنها لا تشبه ما حصل في العام 2000.
وفي حين يرى حطيط أن الحذر هو من الذهاب لاحقاً إلى صيغة العام 1983، يعتبر أن الهواجس التي يتم التعبير عنها من قبل بعض الأفرقاء خاضعة للنقاش، إلا أنه يشير إلى أن سقفها منخفض، إنطلاقاً من شخصية مدير المفاوضات رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوفد العميد الركن الطيار بسام ياسين.
من جانبها، تؤكد مصادر مطلعة على موقف "حزب الله" و"حركة أمل"، عبر "النشرة"، على الموقف الذي تم الإعلان عنه في البيان الذي صدر فجراً، وتشدد على أنهما في حالة إستياء بالغ مما حصل، خصوصاً أن رئيس الجمهورية لم يقبل بأي شكل من الإشكال تعديل الوفد اللبناني.
وفي حين تلفت هذه المصادر إلى أن التأخير في صدور البيان كان إفساحاً في المجال أمام الإتصالات التي كانت قائمة، تشير إلى أن عون لم يكن إيجابياً وكان مصراً على الشكل الحالي، رغم تأكيد كل من الحركة والحزب أن لا مكان للمدنيين في مثل هذه المفاوضات.
على هذا الصعيد، تشير المصادر نفسها إلى أن الثنائي يعتبر نفسه غير معني بالوفد، إلا أنه معني بمراقبة المفاوضات ومراقبة عمل الوفد، إلا أنها تؤكد أن موقفهما بالنسبة إلى النتائج واضح، نظراً إلى أنهما أكدا، في أكثر من مناسبة، أن الحدود هي ما تقرره الدولة اللبنانية.
وفي حين ترى المصادر المطلعة أن المطلوب كان عدم محاكاة شكل الوفد الإسرائيلي، ترفض الحديث عما إذا كان من الممكن أن يؤثر ما حصل على العلاقة مع رئيس الجمهورية أو "التيار الوطني الحر"، لكنها لا تنكر أن هناك نوعاً من التباعد من جانبهما، ترجح أن يكون عائداً إلى الرغبة في إرضاء الأميركيين، إلا أنها تشدد على أنها لا تعتقد أن عون أو الوفد في وارد التفريط بالحقوق اللبنانية.
وفي حين يعتبر الكثيرون أن ما حصل قد يكون عامل إضعاف لوفد لبنان أمام الوفد الإسرائيلي، لا سيما أن هذه المفاوضات تحصل برعاية الجانب الأميركي الذي ينحاز دائماً إلى مصالح تل أبيب، ترى مصادر مواكبة، عبر "النشرة"، أن الإختلاف في وجهات النظر قد يكون مفيداً في مكان ما، نظراً إلى أن الجانب الأميركي، في ظل فقدان الوفد الإجماع الوطني حول شكله، لن يكون قادراً على ممارسة الكثير من الضغوط، كما أنه يكون دافعاً للوفد للتصلب في موقفه خلال المفاوضات.
في المحصلة، هذه المفاوضات ليست حدثاً عابراً في تاريخ لبنان، لا سيما أنها تأتي في مرحلة صعبة يحتاج فيها لبنان إلى إنجاز ترسيم حدوده لاستثمار موارده، إلا أن مسار الأحداث يؤكد أنها لن تكون عملية، سواء على مستوى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي أو على مستوى النظرة إليها في الداخل اللبناني، الأمر الذي قد يكون له تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة.