في لحظة مفصليّة دقيقة وشديدة الحساسية تعيشها المنطقة، خرقت مستجدّات هامّة سخونة الساحة اللبنانيّة التي وُضعت على سكّة مرحلة جديدة وسط الضغوط الأميركية الهائلة على لبنان، وحيث شكّل تفجير مرفأ بيروت بوّابة البدء بترجمة تلك المرحلة على وقع انطلاق قطار التطبيع الخليجي مع "اسرائيل".."وبقدرة قادر" رُفع الفيتو السعودي عن تولّي سعد الحريري الحكومة العتيدة في وقت التجهّز لانطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان واسرائيل، والتي انتهت جولتها الأولى أمس على متن ضغوط اميركية غير مسبوقة على السلطات اللبنانية، بضرورة تجاوز الجانب التقني بالمفاوضات مع اسرائيل نحو التطبيع معها، مقابل رفع العقوبات الأميركية عن لبنان والسّماح بتدفّق الأموال اليه.. وإلا!
لربما يُفهم من هنا، لماذا تمّ " تطعيم" الوفد اللبناني التقني بشخصيّتَين مدنيّتَين، ولماذا رفعت السعودية بشكل مفاجئ "حظرها" عن تولّي الحريري للحكومة، ولماذا تجاوزت الرئاسة اللبنانية موافقة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب على عمليّة التفاوض عملا بالدستور.. فالحريري اعلن انه –ولفترة ستّة اشهر، يجب على حكومته ان تكون خالية من الأحزاب السياسيّة..وللمفارقة، هي الفترة التي ستجري فيها المفاوضات بين لبنان و"اسرائيل".. فهل المطلوب اميركيا وسعوديّا ان تواكب حكومة الحريري حصرا عمليّات التفاوض طيلة هذه الفترة، وتصادق على الإتفاق مع "اسرائيل"؟
وإزاء الضغوط الأميركية المستمرّة وبتصاعد على حزب الله، تحرّكت بالتزامن "رسائل" داخليّة صوب الحزب حملت مؤشرات أحداث أمنيّة خطيرة قادمة، وذلك في مضمون مقابلة متلفزة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بدا انه درسها بعناية في رسائلها وتوقيتها.. وبدا أيضا انّه تقصّد ارسال إشارات محدّدة عن أحداث مُرتقبة وُجهتها حزب الله، أراد من خلالها التنصّل منها مسبقا.. وما لم يقله جنبلاط بشكل واضح خلال المقابلة، تكفّلت بالكشف عنه جريدة "الأخبار" اللبنانية، التي أوردت في عددها يوم أوّل أمس الثلاثاء، انّ جعجع قال لجنبلاط خلال لقاء بينهما إنه سيمضي في مواجهة حزب الله حتى النهاية، "ولديّ 15 الف مقاتل مجهّزون لمواجهة الحزب، الذي بات يعاني من ضعف كبير نتيجة الأوضاع في لبنان والإقليم"!
معلومات تتّسم بخطورة كبيرة خصوصا في توقيتها، وسيّما انّها ليست المرّة الأولى التي يُنسب فيها الى رئيس حزب القوات، جهوزية مسلّحة لمواجهة حزب الله، فسبق ان كشفت احدى الوثائق الأميركية المُثبّتة، انّ ميشيل سيسون - التي كانت قائمة بالأعمال الأميركية في لبنان عام 2008 ، وقُبيل أحداث 7 أيار،ارسلت برقيّة الى بلادها، فحواها" انّ سمير جعجع أبلغني في زيارة مفاجئة الى السفارة الأميركية في عوكر، انّ لديه حوالي 10000 مقاتل على استعداد لمواجهة حزب الله".. هذا قبل ان يلتفّ الحزب سريعا على سيناريو خطير " كان سيودي فيما لو قُدّر له النجاح، الى حرب داخلية كارثيّة"- وفق ما لفتت مصادر أمنية لبنانية وقتذاك.
اليوم يتكرّر حَبك السيناريوهات الداخلية ضدّ حزب الله – التي لم تتوقف بطبيعة الحال منذ واقعة اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، تماهيا مع الضغوط الأميركية القصوى على الحزب..فالتوقيت اليوم اكثر من مناسب في دوائر واشنطن وتل ابيب والرياض لإزاحته من المشهد اللبناني والإقليمي في ذروة التطبيع الخليجي الدائر مع "اسرائيل"، على وقع انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة اللبنانية -"الإسرائيليّة"، والتي من المُفترض ان تُستأنف جولتها الثانية في الثامن والعشرين من الجاري، اي عشيّة انتهاء مهلة الشهرَين التي حدّدتها واشنطن للأمين العام للأمم المتحدة، حتى يضع خطّة "تعزيز قدرات" قوات اليونيفيل في جنوب لبنان موضع التنفيذ.. فقبل شهرَين، مرّرت واشنطن قرار التجديد لتلك القوات في الجنوب لسنة جديدة، شرط إنجاز وضع هذه الخطة قبل انتهاء مدّة الستّين يوما.
ما حصل انّ عتادا "متطوّرا" وصل بالفعل الى عُهدة قوّات اليونيفيل منذ اواسط شهر ايلول المنصرم- بحسب ما أكّدت مصادر صحفيّة مواكبة، لفتت أيضا الى انّ العتاد يشمل أجهزة عالية الحساسية للكشف عن حركة مسار الأسلحة في جنوب الليطاني، على ان تنضمّ اليها مُسيّرات مخصّصة للرّصد والتصوير في خلال ايام – وفق اشارة المصادر، والتي اوضحت انّ واشنطن تُصرّ على "توسيع" مهمّة القوات الدوليّة نحو الحدود الشرقيّة للبنان مع سورية.
وإذ أكّدت خبر استحداث قاعدة عسكريّة لقوات اليونيفيل في وسط بيروت، كشفت المصادر انّ المطلوب اميركيا ايضا، هو ان "يتمدّد"عمل تلك القوات صوب المطار، ليبرز بشكل واضح انّ الخطّة الأميركية -"الإسرائيلية" تكمن بوضع لبنان تحت الوصاية الدوليّة.. ولعلّ هذا المخطط هو أحد الأسباب التي تقف خلف تفجير مرفأ بيروت.
وعليه، وإزاء هذا الكمّ من الضغوط الخارجيّة ومعها الداخلية على حزب الله التي وصلت الى مستوى غير مسبوق، خصوصا بعد الكلام عن توجّه واشنطن لفرض عقوبات على المصارف التي تقع ضمن بيئة الحزب في سابقة "تقسيميّة" خطيرة. يُطرح السؤال" كيف سيردّ حزبُ الله"؟ هل سيُبقي على طول صبره؟ كيف سيردّ على "الكمائن" الإسرائيليّة - الأميركية التي زرعها الجانبان في طيّات مفاوضات ترسيم الحدود البحرية للنّيل منه ومن سلاحه في نهاية المطاف؟
لربما على اصحاب الرؤوس الحامية في الداخل والخارج على السّواء، خصوصا قادة "اسرائيل" الذين تغمرهم "النّشوة" بانطلاق المفاوضات اللبنانية مع الكيان، للوصول اخيرا الى "ليّ " ذراع الحزب، ان يتذكّروا ونحن على بُعد ايام من الذكرى 37 لتفجير مقرَّي المارينز والقوات الدولية في بيروت، انّ "النشوة" نفسها غمرتهم ايضا في الثمانينات غداة الإجتياح الإسرائيلي للبنان، قبل ان تتبدّد في لحظات وتتحوّل الى "جحيم" جرّاء ضربة لم تدم حينها سوى لحظات، وكانت كافية لإعادة المئات من الجنود الأميركيين ومعهم العشرات من فرنسيّي القوات الدولية الى بلادهم بصناديق خشبية، وهروب كل عديد تلك القوات من لبنان.... أين كل هؤلاء من قوّة حزب الله اليوم؟ وقد خبرتها "اسرائيل" نفسها في أكثر من مواجهة.
لعلّه من الحريّ التوقّف أمام كلمات مُقتضبة لقائد ميداني بارز بمحور المقاومة في سورية، اكتفى بالتلميح الى حدث قادم وصفه ب"الهامّ جدا" في لبنان، سيخرق كل هذه الهجمة على حزب الله وسيشكّل اولى مفاجآته، في وقت نقل موقع "روترنت" العبري عمّا وصفه ب"مصدر عسكري روسي كبير، ترجيحه ان يسبق الإنتخابات الأميركية المُرتقبة في الثالث من الشهر المقبل، تطوّر غير متوقّع من البوّابة اللبنانية يفاجئ واشنطن كما تل أبيب، من دون استبعاده ان يُلحق بضربة يمنيّة "من العيار الثقيل" تهزّ عاصمة إحدى الدول الخليجيّة!