على الرغم من عدم تطابق المنطق مع المعطيات السياسية اللبنانية، وخصوصاً لجهة اعتبار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري خشبة انقاذ لبنان، برزت معطيات غير منطقية من مكان آخر، وتحديداً من السراي الكبير، الذي لا يزال حتى الآن يحتضن رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب. ومع ازدياد نشاط محركات الحريري الذي فتح الخطوط مع كل المسؤولين والقوى السياسية في لبنان (ما عدا دياب الذي لم يتحدث معه او يوفد اليه احداً)، استفاق رئيس الحكومة المستقيل فجأة، وبدأ يعود الى الساحة تدريجياً عبر وعود تعطى من هنا للبعض بتحسين اوضاعهم، وتسجيل نقاط من هناك عبر تأمين بعض الاعتمادات، وصولاً الى ايصال رسالة الدفاع عن صلاحيات رئاسة الحكومة ورئيسها من خلال "اللطشة" التي وجهها الى رئاسة الجمهورية في ما يتعلق بالوفد المفاوض لترسيم الحدود البرّية والبحريّة في الجنوب ضمن اتفاق الاطار المعلن، والتي رد عليها القصر لاحقاً.
من المنصف اعطاء الرجل أحقّية لجهة انه كان من اللائق وضعه في اجواء ما يحصل، ان من ناحية الرئيس عون او من ناحية الحريري، احتراماً له وللمكانة التي يشغلها. ولكن الانصاف يقف عند هذا الحد، لأنّ ما يحاول دياب القيام به يوحي وكأنه كان نائماً طوال الفترة الماضية، واستفاق فجأة ليجد نفسه ملقى في دهاليز النسيان، فيما الواقع يشير الى انه لم ينجح في تحقيق الانجازات، وهو ما استغله الجميع من القريبين منه والبعيدين عنه، لاسقاطه في اكثر من مناسبة، الى ان نجحوا في ذلك بمساعدة منه من حيث لا يدري. ماذا تنفعه اليوم استفاقة متأخرة في غير مكانها؟ خصوصاً وانه بالنسبة اليه ما كتب قد كتب، ولم يستطع استغلال الفرصة التي سنحت له وتقطعت به السبل اقليمياً ودولياً ومحلياً.
خاف دياب على صلاحيات رئاسة الحكومة في الوقت غير المناسب، فها هو الحريري وقبل ان يكلّف، قد لعب دور رئيس الحكومة المكلّف وبدأ بمشاورات مع الكتل النيابية تحت غطاء برنامج اصلاحي وبنود المبادرة الفرنسية، فيما تحمل الزيارات اكثر من ذلك وفق ما يعرفه القاصي والداني. ولماذا لم يعلُ صوته تجاه هذه الخطوة، وهو الحريص على الموقع، فهل يجوز تجاوز الاستشارات النيابية بخطوات مسبقة؟ لماذا لم يفرض صلاحياته وقراراته حتى بعد الاستقالة، كي يعزز موقعه ويكشف من وعد بكشفهم بالوثائق والادلة، واتهمهم مراراً وتكراراً بمحاولة افشال الحكومة التي ترأسها، والممارسات التي قاموا بها وأدّت الى انهيار لبنان اقتصادياً ومالياً؟.
اليوم، يحاول دياب الخروج من السراي بأقل قدر ممكن من الخسائر، وهو الذي كان يعدّ العدّة ليكون خليفة رئيس الحكومة السابق سليم الحص، فارتضى على ما يبدو القبول بواقع عدم قدرته على مجاراة هذا المسعى والاكتفاء بمحاولة انقاذ ماء الوجه عبر الايحاء بخوضه المعارك لاستعادة صلاحيات رئاسة الحكومة، فيما يعلم الجميع ان هذه المعركة خاضها الكثير قبله وسيخوضها الكثير بعده كلما اراد صاحب المنصب شد العصب الطائفي او الدخول في لعبة الحصص والمحاصصة، مع فارق اساسي هو ان دياب قرر خوض هذه التجربة في الوقت بدل الضائع، اي حين لم تعد تنفع كل هذه الممارسات، ناهيك عن انه لن يجد مكاناً له في نادي رؤساء الحكومات السابقين، وسيبقى "رئيس الحكومة السابق" بشكل منفرد حتى اشعار آخر.
وفي انتظار ما ستحمله الايام والاشهر المقبلة من معطيات، لن يكون لدياب دور في الحياة السياسية العامة في المدى المنظور، وسيكون عليه التركيز على خوض معركة تعويضاته مع الجامعة الاميركية في بيروت التي باتت على طاولة القضاء.