يبدو من الواضح لأيّ مراقب ومتابع للسياسة الأميركية في الوطن العربي وعموم منطقة الشرق الأوسط، أنّ الولايات المتحدة ليست لديها سياسة منفصلة عن السياسة «الإسرائيلية»، لا بل أنّ هناك من يرى، وهو على حق، بأنّ السياسة الإسرائيلية هي السياسة التي تتبنّاها الولايات المتحدة وتعمل على تنفيذها…
على أنّ عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب شهد ويشهد أكثر الإدارات الأميركية تماهياً مع السياسات «الإسرائيلية» من دون أيّ تحفظ، والعمل على تمكينها من تحقيق أهدافها…
أولاً، دعمت إدارة ترامب، الحكومة الصهيونية في سياساتها الاستيطانية التوسعية في فلسطين المحتلة لتكريس سيطرت المستعمرين الصهاينة على ما تبقى من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس، بعد أن جرى تثبيت الاعتراف بوجود الكيان الصهيوني غير الشرعي على الأرض الفلسطينية التي احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948… وبالتالي فإنّ إدارة ترامب، في ما تبقى لها من أسابيع قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، تعمل بكلّ ما لدى أميركا من قدرات وإمكانيات على دعم كيان العدو الصهيوني في مشروعه لتصفية كلّ الحقوق الوطنية المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني، من خلال تبنّي خطة القرن بالاتفاق مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، بعد أن نقلت السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة موحدة لدولة الكيان الصهيوني العنصري الإرهابي… حتى أنّ ترامب ومساعديه في الخارجية الأميركية تحوّلوا إلى جيش مجنّد في خدمة تحقيق هذا الهدف الصهيوني، عبر ممارسة أقسى الضغوط على الأنظمة العربية لإجبارها على الانفتاح على الكيان الصهيوني وتوقيع الاتفاقيات معه التي تعترف بوجوده على أرض فلسطين المحتلة متجاهلة قضية فلسطين وحقوق شعبها…
وفي السياق تنكّبت إدارة ترامب مهمة دفع الإمارات العربية المتحدة والبحرين إلى توقيع الاتفاقيات مع كيان العدو، وهي اليوم تمارس ضغطاً شديداً على الحكم السوداني للحذو حذو الإمارات والبحرين، مقابل شطب اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ما يعني انّ الهدف من اتهام السودان بدعم الإرهاب كان تطويعه وإخضاعه للهيمنة الصهيونية من خلال ربطه بعلاقات التبعية السياسية والاقتصادية مع الكيان الصهيوني.. ومن خلاله بالولايات المتحدة.
ثانيا، ترجمت واشنطن هذه السياسة الصهيونية، أيضاً في لبنان، ولا تزال، من خلال فرض الحصار المالي الخانق على اللبنانيين، وممارسة الضغوط السياسية المتواصلة لإحداث انقلاب سياسي على مستوى السلطة السياسية يمكن الفريق الأميركي من التفرّد بتشكيل حكومة، وهو انقلاب تريد منه واشنطن تحقيق هدفين صهيونيين أساسيين…
الهدف الأول، جعل لبنان يبدي المرونة في مفاوضات تحديد الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة بما يمكّن كيان العدو الصهيوني من الحصول على مساحة مهمة من المياه الإقليمية اللبنانية الخالصة التي تتواجد فيها احتياطات هامة من الغاز الطبيعي…
الهدف الثاني، تأليب اللبنانيين ضدّ مقاومتهم والعمل على محاصرتها وعزلها، بعد التمكّن من إقصاء حزبها، حزب الله وحلفائه عن السلطة، من خلال فرض تشكيل حكومة موالية لواشنطن، وصولاً إلى نزع سلاح المقاومة، الذي يردع كيان العدو ويمنعه من تحقيق أهدافه وأطماعه في لبنان، وبالتالي تحقيق الأماني الصهيونية في إجبار لبنان على العودة إلى توقيع اتفاق صلح، مع كيان الاحتلال الصهيوني على غرار اتفاق 17 أيار المشؤوم، يعترف من خلاله لبنان بوجود هذا الكيان الغاصب ويقبل بفرض توطين اللاجئين العرب الفلسطينيين، في سياق تنفيذ المشروع الصهيوني لفرض خطة القرن.. وتصفية قضية فلسطين..
ثالثا، ونفذت واشنطن السياسة «الإسرائيلية» في سورية، من خلال قيادة الحرب الإرهابية لاسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة بقيادة الرئيس بشار الأسد، بما يحقق الأهداف الصهيونية في القضاء على ظهير المقاومة في لبنان وفلسطين.. كمدخل لإطباق الحصار على المقاومة وعزلها وصولاً إلى سحقها، وبالتالي خلق مناخات الاستسلام والإحباط لدمج كيان العدو الصهيوني في المنطقة وتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد يتربّع هو على عرشه.. وهذا طبعاً ما فشلت فيه أميركا وإرهابيوها والدول الداعمة لهم..
رابعا، … ترجمت واشنطن أيضاً السياسة «الإسرائيلية» في الموقف من إيران الثورة، عبر انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي والعودة إلى سياسة تشديد الحصار والضغوط على إيران، وتحريض دول الخليج ضدها…
هناك من يراهن على أنّ سقوط ترامب في الانتخابات وفوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، سيؤدّي إلى تغيير في هذه السياسة الأميركية.. لكن الذي يعود إلى السياسات التي اعتمدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية كانت، ام ديمقراطية، يلحظ أنها كانت تتبنّى دعم السياسات الإسرائيلية، وأنّ الجمهوريين والديمقراطيين يتنافسون في دعم السياسات الإسرائيلية وكسب تأييد اللوبي الصهيوني الأميركي المؤثر في الولايات المتحدة… وينطلقون في ذلك من اعتبار الكيان الصهيوني قاعدة استعمارية أميركية متقدّمة في قلب الوطن العربي…
واذا ما كان من تباين بين الجمهوريين والديمقراطيين تجاه دعم السياسات «الإسرائيلية»، فإنه مرتبط بالأسلوب والطريقة، التي يجب أن تحقق فيها، أو من خلالها، السياسات الصهيونية…
انطلاقاً مما تقدّم، فإنّ المطلوب عدم الرهان على الانتخابات الأميركية لحصول تغيير في السياسة الأميركية من قضايا العرب العادلة، وأنّ الرهان كان ويجب أن يكون على التمسك بالمقاومة وسلاحها وتعزيز التلاحم بين أطراف جبهة المقاومة في المنطقة، دولاً وحركات تحرر ومقاومات، في مواجهة المخططات الاستعمارية الأميركية الصهيونية، لأجل العمل على إحباطها، ومنع العدو الصهيوني من تحقيق أهدافه في لبنان وسورية وإيران والعراق واليمن، واستطراداً في فلسطين المحتلة… وإعادة توجيه البوصلة نحو فلسطين القضية المركزية في الصراع مع المستعمرين الصهاينة، والدول الاستعمارية الداعمة لهم، والساعية إلى إخضاع كامل دول المنطقة لهيمنتها…