لا يختلف التعاطي اللبناني الشعبي مع الكورونا عن سياق حياة معظم اللبنانيين منذ سنوات وحتى اليوم. ففي لبنان هناك ثقافة جامعة هي ثقافة الهروب إلى الأمام، أو بمعنى آخر هي ثقافة "الشطارة". تبدأ بتقديم الرشوة في الدوائر الحكوميّة وتمتدّ نحو عدم احترام الدور والوقوف بالصف، وصولًا إلى الغشّ والأسواق السوداء وعدم احترام القوانين بتاتًا. هنا لا يمكن شمول الجميع، ولكن هناك أغلبية تسحق الأقليّة، وتضفي صفاتها وسماتها وسوء أدائها على الحياة العامة، حتى يُصبح المواطن الملتزم ضحيّة تقيّده بالقوانين والأخلاق العامة. ينطبق هذا في السياسة والمجتمع والإقتصاد والتربية والرياضة والإعلام، واليوم، في الكورونا، فلكل زمن شطارته اللبنانية المبتكرة.
فمع إتّساع رقعة انتشار جائحة كورونا وارتفاع عدد الحالات المصابة على صعيد لبنان، ما زلنا نلاحظ وصمة مرتبطة بالعدوى تؤدّي الى إخفاء البعض لنتيجة فحوصاتهم الإيجابيّة، والتظاهر بانهم يعيشون حياة طبيعية، مما يشكّل خطرًا على حياة الاخرين. فما هي الأسباب وراء ذلك؟!.
-الإنكار: عند حصول المصاب على نتيجة اختبار كورونا يعيش موجة مشاعر سلبيّة من غضب وارتباك وانكار، خاصة في حال عدم وجود أعراض بالاضافة الى الصدمة والشك والشعور بالذنب والخجل، وقد يصاب بنوبة ذعر. كل هذه المشاعر السلبيّة تسبب حالة انكار لخفض مستوى القلق ورفع منسوب الشعور بالراحة، فيفضّل المصاب أن يتجاهل الحقيقة ويواصل حياته الطبيعية وكأنّ شيئاً لم يكن، وذلك كي يتجنب المشاعر السلبية والضغوط النفسية.
-الهروب من نظرة المجتمع وأحكامه: نشأ الفرد على موروثات مضخّمة لأهميّة رأي الآخر به ونظرته وتقييمه للفرد، حتى أصبح الآخر من يحدّد قيمة الفرد تجاه نفسه، وبذلك فانه يتجنّب نظرة المجتمع له على أنه مُلام ولا يتحلّى بروح المسؤولية نتيجة عدم استخدامه التدابير الوقائية (الكمامة و التباعد الجسدي)، ولتفادي التعليقات الحادة اذا ما كشف عن اصابته.
بالاضافة الى ذلك فان الاصابة اصبحت وصمة عار، فالمصاب يربط نفسه بنظرة المجتمع لهذا الفيروس، فيرى نفسه على انه شخص خطير ومسبب بالموت للاخرين فيهدف بكتمانه الاصابة الهروب من تلك النظرة الى فعل النبذ والابتعاد عنه، فالانسان اجتماعي بطبيعته وفطرته ومن الصعوبة جداً ان يعيش في عزلة بمنأى عن الاخرين.
-المعلومات المغلوطة: أدّت الاخبار الكاذبة والشائعات حول المرض، سواء مصدرها كان وسائل التواصل الاجتماعي ام رسائل نصّية عبر الواتساب من حيث كيفية انتشار العدوى او تأثيرها على المصاب او تعريضه للخطر، الى تفضيل بعض المصابين اخفاء حقيقة اصابتهم.
-الاوضاع المادّية: نتيجة الاوضاع المادّية الصعبة فضّل بعض المصابين عدم البوح عن اصابتهم خوفاً من امتناع الزبائن عن الدخول الى محالهم او الاقتراب منهم بالاضافة الى الموظفين الذين لا يستطيعون اخذ اجازة لعدم قدرتهم عن الاستغناء عن رواتبهم.
كل ذلك كان سببًا لكتمان خبر الاصابة الذي يمكن ان يؤدي الى زيادة تفشي الوباء والحاق الضرر بالمحيطين فالمجتمع بأسره.
بين الحاجة المادية وعدم الرغبة بتطبيق الحجر وعدم الإفصاح عن المرض، هناك ثغرة يجب أن تُعالج في مكان ما. غياب المسؤولية الوطنية أو المسؤولية العامة، أو ما يمكن تسميته في روح المواطنة، هو السبب الأساسي خلف مختلف التصرّفات الفاسدة في المجتمع اللبناني، ومنها تساهل نقل المرض من المريض إلى مواطنين آخرين لا يمتّون له بصلة القربى أو الزمالة العملية أو الحزبية أو لا تربطه بهم صداقة ما.
ولذلك كله، ينصح بالحصول على المعلومات من مصادر ذات مصداقية واتباع ارشادات الاطباء ومعرفة طرق العدوى ومخاطرها ، فالتوعية الصحيحة هي مفتاح مكافحة الوباء على المستوى الاجتماعي. بالاضافة الى حملات التوعية وتنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية التي هي اساس المعايير الانسانية والاخلاقية كذلك اقامة حملات ارشادية توعوية عن التعامل مع المريض، بما في ذلك تقديم الدعم المعنوي و النفسي له من قبل الاهل والمجتمع مع مراعاة اجراءات الوقاية الضرورية. فصحّة المواطن كصحّة الوطن، لا تولد سوى من رحم الوعي وتغذية ثقافة المسؤولية الوطنية.