اخذ الكثيرون على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون (من القريبين والبعيدين على حد سواء)، قراره ارجاء الاستشارات النيابية الملزمة التي كان قرّرها بنفسه الخميس الفائت، الى الخميس المقبل لمزيد من التواصل والاتصالات. وما ان تم الاعلان عن الخبر حتى وُضع النائب جبران باسيل في قفص الاتهام حيث تناقلت الاخبار كالنار في الهشيم انه كان من اوعز الى عون وجوب اتخاذ هذا القرار. وفيما تؤكد مصادر مواكبة لعمليّة تشكيل الحكومة العتيدة ان باسيل لم يكن وحيداً في طلب التأجيل، اخذت عليه ايضاً التغريدة التي اصدرها عقب قرار التأجيل والتي " لم تكن في محلها" فزادت الامور تعقيداً، واغرقته في المزيد من الاتهامات. ولفتت المصادر الى وجود سبب رئيسي في مسار اتّخاذ قرار التأجيل، وهو المهمّة التي اوكلت الى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي حمل عدّته التفاوضية وانتقل بها من واشنطن الى باريس في مسعى لحلحلة العقد التي تعترض التكليف والتأليف، وترضي كل الافرقاء على الساحة أيّ المسيحيين والمسلمين والدروز على حد سواء، وفق الطريقة اللبنانيّة المعتمدة والمتعارف عليها منذ عقود من الزمن، ولو ان نسب النفوذ ستعلو لصالح طائفة معيّنة على حساب اخرى انما بصورة مقبولة وليس بطريقة تثير مخاوف الاخرين وتجعلهميعلّون سقفهم ويتوسطون الجهات الخارجية التي تتواصل معهم لتعقيد الامور اكثر فأكثر.
وتوقّعت هذه المصادر ان ينجح اللواء ابراهيم في مسعاه، وان يتم تكليف النائب سعد الحريري مهام تشكيل الحكومة المقبلة، بعد ان يكون قد انتزع ابراهيم الموافقة الخارجيّة على الشكل والعمل المنتظر في الفترة اللاحقة، والتي من المتوقع ان تبدأ سريعاً اذا لم تحصل مفاجآت خارجية تحول دون ذلك. وربطت المصادر نفسها بين زيارة ابراهيم، والزيارات التي قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر الى عددٍ من المسؤولين السياسيين في لبنان بعد مشاركته في الجولة الاولى من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل. ورأت المصادر في تزامن هذا التحرك داخلياً وخارجياً بارقة أمل في امكان الاسراع في تشكيل حكومة تكون هذه المرة مطابقة للمواصفات الدولية بعد ان كانت الحكومة المستقيلة حالياً ناقصة للعديد من الشروط، فاكتفت بادارة الازمة محلياً دون القدرة على التحرك للخروج منها، وكان سقوطها متوقعاً بين شهر وآخر. واذ توقعت عدم حصول ارجاء جديد لموعد الاستشارات هذه المرة استناداً الى نجاح ابراهيم في مهمته، توقعت، اذا ما تُرجمت الموافقات الدولية التي يحملها معه اللواء ابراهيم على الساحة المحلية، ان تنتهي السنة على عكس ما انتهت عليه السنة الفائتة، مع الشعور ببعض الانفراجات العمليّة خصوصاً لناحية لجم ارتفاع سعر صرف الدولار، وقد يكون ما حصل في الذكرى السنوية للتحركات الشعبية "الثورة" دليل على هذا التوجه، اذ كانت ناجحة بالشكل حيث خلت من مظاهر العنف وقطع الطرقات في ما خلا بعض المواجهات في وسط بيروت التي لم تتطور وتتصاعد، وهو مؤشر الى وجود توجه ايجابي لمسار الاوضاع في لبنان.
وترى المصادر ان كل هذه الضغوط كانت مطلوبة كي نصل الى الوضع الحالي، اي الى القبولبصيغة الحريري او الانهيار، وان الجميع بات يدرك ان التأخير لن يغيّر قيد انملة في المشروع المعدّ والذي ينتظر التنفيذ فقط، فيما سيتولى اللاعبون المحلّيون عملية الاخراج لهذا السيناريو بالاساليب التي يتقنونها من خلال خبرتهم في هذا المجال على مرّ السنوات. وعلى غرار الامثال السابقة التي عاشها لبنان في تاريخه المعاصر بعد كل تسوية، سيكون هناك من سيقوى نفوذه وسيتعرّض آخرون الى تراجع في النفوذ، ولكن لن يتم الغاء او استبعاد احد، ليكمل القطار من حيث توقف من دون اي تغيير في جدوله او مساره.