على بعد ساعات من موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية بتأليف الحكومة الجديدة، ما زال هذا الملف من ألفه إلى يائه في دائرة الغموض والضبابية، حيث أن شرايين التواصل بين القوى المعنية ما تزال مقطوعة، ولم يسجل في الأفق السياسي أي معطى بإمكانه إعطاء صورة واضحة عمّا يُمكن أن يكون عليه هذا الاستحقاق وما إذا كان الرئيس ميشال عون سيقدم مجدداً على تأجيل هذه الاستشارات بحجة غياب التوافق السياسي، أم أنه سيُبقي على موعد هذه الاستشارات ويترك عنان الاشتباك السياسي إلى مرحل التأليف التي ستكون من أصعب المراحل ما لم تذهب القوى السياسية إلى تبادل تقديم التنازلات وتمرير هذا الاستحقاق في أقرب وقت للانصراف إلى معالجة الأزمات المفتوحة التي أوصلت البلاد والعباد إلى حافة الهاوية.
ومن البديهي القول إن تأجيل الاستشارات النيابية المقررة يوم غد الخميس ستكون مغامرة مكلفة في ظل الظروف الداخلية والخارجية الضاغطة، وقد ألمح إلى ذلك البطريرك بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد بقوله: من منكم يملك ترف الوقت لكي تؤخروا الاستشارات وتأليف الحكومة؟ في دلالة واضحة على رفض البطريركية المارونية استمرار التسويف في التأليف والطلب من رئيس الجمهورية إجراء هذه الاستشارات وعدم اللجوء مرّة ثانية إلى تأجيلها.
وإذا كان الأفق الداخلي ضبابياً لجهة التكليف ومقفل على مستوى التأليف، فإن الإدارة الفرنسية تتابع كل شاردة وواردة بهذا الشأن وهي ماتزال تسدي النصائح وتتبادل الآراء وان عن بعد مع بعض الأطراف اللبنانية بغية إبقاء المبادرة الفرنسية على قيد الحياة والانطلاق منها باتجاه الإصلاحات وترتيب البيت اللبناني، وهي معتمدة بذلك على الضوء الأميركي الذي بات واضحاً لجهة دعم التوجه الفرنسي والإكتفاء بمراقبة الوضع وعدم التدخل المباشر بشأن تأليف الحكومة اللبنانية، وعكس هذا التوجه ديفيد شنكر الذي قام بمروحة مشاورات مع مسؤولين لبنانيين من دون أن يعطي أي موقف من مسألة تأليف الحكومة والحديث عن هذا الموضوع بالعموميات.
المساعي تفشل في ترميم جسور التواصل بين «بيت الوسط» و«ميرنا الشالوحي»
غير أن مصدر وزاري يواكب ما يجري على مسار التأليف يرى أن التطورات الموجودة حالياً من الممكن أن تؤدي إلى تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، فالإدارة الأميركية منشغلة بالتحضيرات للانتخابات الرئاسية مع بداية الشهر المقبل وهي بذلك لا تعتبر تأليف الحكومة في لبنان على أهميته أولوية بالنسبة إليها، بعد أن نالت الجائزة الكبرى من خلال انطلاق عملية التفاوض في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، كما أن فرنسا ومعها المجتمع الدولي يرغبان في قيام حكومة تشرع في الإصلاحات لإعطاء الضوء الأخضر بتقديم المساعدات.
ويعتبر المصدر أن حصول الاستشارات في موعدها وتكليف الحريري مهمة تشكيل الحكومة يأتي من باب رفع العتب وإزالة صاعق التفجير الموجود على خط بعبدا - بيت الوسط، بحيث ان المشاكل الموجودة ستنتقل إلى مرحلة التأليف، فإذاكان هناك من سهل عملية التكليف فلن يتساهل في عملية التأليف والمجيء بحكومة كيف ما كان.
ويكشف المصدر عن وجود آراء متعددة في ما خص النظرة الدولية لتأليف الحكومة، رأي يقول أن الأميركي من الممكن أن يقدم تسهيلات بعد الشروع في رسم الحدود، ورأي آخر يقول أن هناك عقوبات قاسية قادمة على لبنان ما لم تتألف حكومة تتماهى والرغبة الدولية، وإذا كان الأميركي سهل مهمة الفرنسي في الاستحقاق الحكومي فهذا لا يعني أنه سيقبل بتأليف أي حكومة. وإذ يعتبر المصدر بأن اللعبة ما تزال غامضة، فانه يسأل: هل يوقع الرئيس عون على حكومة تفتقد إلى الميثاقية بغياب «الثنائي الماروني» عنها؟
ويستغرب المصدر كيف أن هناك من اللبنانيين من يربط الاستحقاق الحكومي بالانتخابات الأميركية، علماً بأن هذه الانتخابات مهما كانت نتائجها «لن تخرج الزير من البير»، كون ان السياسة الأميركية لا تتغير مع تغيير الأشخاص.
وفي مقابل ذلك فإن أوساطاً سياسية ترى أن المياه الحكومية الراكدة منذ الخميس الفائت، ربما تتحرك في غضون الساعات القليلة التي تسبق موعد الاستشارات، وأن الثابت حتى هذه اللحظة في حال جرت هذه الاستشارات في موعدها سيحصد الرئيس سعد الحريري ما يقارب الـ70 صوتاً وأن مسألة الميثاقية في ظل إعلان «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» عدم تسمية الحريري تنتفي مع وجود أكثر من عشرين نائباً مسيحياً سيسمون الحريري وهم ينتمون إلى كتل نيابية ومستقلين، مشددة على أن الحريري ما كان ليتمسك بموقفه رغم الاعتراض المسيحي على تسميته لو لم يكن يتكئ على الموقفين الفرنسي والاميركي الداعمين إلى جانب الدعم الداخلي الذي سيؤمن له أكثرية للوصول إلى السراي الكبير، غير أن ذلك لا يعني أن حلحلة عقد التأليف ستكون سهلة وسريعة، إذ إن ألغاما كثيرة مزروعة في حقل تشكيل الحكومة، كما أن الرئيس عون ومعه الوزير السابق جبران باسيل ينتظران من الحريري على الكوع حاملين سلّة من المطالب التي ستكون في جوانب منها تعجيزية لاعاقة اندفاعة التأليف وتحصيل أكبر قدر ممكن من المطالب، وان ما رشح عن هذه المطالب ربما يكون سبباً رئيسياً في فشل الوساطات الخجولة في ترميم الجسور المقطوعة ما بين «بيت الوسط» و«ميرنا الشالوحي» حيث لم تسجل هذه المساعي أي خرق في الجدار المرتفع بين الطرفين في ظل عدم إبداء باسيل أي ليونة في ما خص تسمية الرئيس الحريري حيث يقال ان «حزب الله» دخل على هذا الخط ولم ينجح.
وحيال ذلك فإن هذه الأوساط التي تؤكد بأن الرئيس عون لن يقدم مرّة ثانية على ارجاء موعد الاستشارات تتوقع ان تكون المعركة القاسية بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي من جهة والرئيس الحريري من جهة ثانية عند التأليف، وهذا إن حصل سيكون له الصدى السلبي لدى المجتمع الدولي الذي ما برح يحث اللبنانيين على الإسراع في تأليف الحكومة لتجنب الانزلاق أكثر فأكثر باتجاه المجهول، خصوصاً وأنه يربط أي مساعدة كانت في عملية الولوج بالاصلاحات التي تتطلب وجود حكومة مكتملة الاوصاف قادرة على تحقيق هذا المطلب.
وتستغرب الأوساط كيف ان الأفرقاء السياسيين لا يستعجلون تأليف الحكومة في ظل المناخات الدولية المؤاتية من جهة، وفي ظل التدهور الحاصل على المستويات الاقتصادية والنقدية، والذي حمل الهيئات الاقتصادية على تكرار دق ناقوس الخطر، والمطالبة بتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الورقة الإصلاحية الفرنسية قبل ان يؤدي الانهيار الحاصل إلى اقفال ما تبقى من مؤسسات ما تزال معلقة على حبل رفيع من الأمل بالنهوض.