قبل يوم من موعد الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، قرر رئيس الجمهورية ميشال عون أن يتوجه بكلمة إلى الشعب اللبناني ونواب الأمة، إنطلاقاً من قسمه ومن مسؤولياته الدستورية ورمزية موقعه. ومن منطلق المصارحة الواجبة خصوصاً على مشارف الاستحقاقات الكبرى، التي يتم فيها رسم خرائط وتوقيع اتفاقيات وتنفيذ سياسات توسعية أو تقسيمية قد تغير وجه المنطقة.
في هذه الكلمة، تعمّد رئيس الجمهورية أن يعود إلى الرأي العام، قبل الوصول إلى مرحلة تكليف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري غداً، ليعرض أمامه المسار التعطيلي الذي مرت به البلاد في السنوات الماضية. وليؤكّد أنه منذ أن حمل مشروع التغيير والإصلاح في محاولة لإنقاذ الوطن، رفع المتضررون المتاريس بوجهه، لكن الأهم هو طرحه سؤالاً جوهرياً: "هل يمكن إصلاح ما تم إفساده باعتماد السياسات ذاتها"؟.
أساس موقف عون من مسار تكليف الحريري، الذي من المفترض أن يحصل يوم غد، يكمن بالجواب على هذا السؤال، الذي يدرك أن غالبية المواطنين تؤيده في الجواب عليه بالنفي من حيث المبدأ، حيث كان واضحاً أن رئيس الجمهورية لا يؤيّد إعادة تسمية الحريري خوفاً من تكرار التجارب الماضية. وهي المعادلة التي عبّرت عنها العديد من الشخصيات في "التيار الوطني الحر"، في الأيام الماضية، بالحديث عن أنه ليس هناك ما يشير إلى أنّ الحريري غير من سلوكه.
على الرغم من ذلك، يدرك رئيس الجمهورية أنه لا يستطيع أن يمنع تكليف رئيس الحكومة السابق، نظراً إلى أن الأخير يملك الأغلبيّة اللازمة لذلك، بعد أن حصل على تأييد عدد من الكتل النيابية: "التنمية والتحرير" و"اللقاء الديمقراطي"، "المستقبل"، "الوسط المستقل"، "المردة"، "الحزب السوري القومي الإجتماعي"، في حين لم يبرز إسم أيّ شخصيّة من الممكن أن تكون منافسة جدّية له، خصوصاً أن "حزب الله"، الذي قد لا يذهب إلى تسمية الحريري، لن يذهب إلى تسمية أيّ شخصية أخرى، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى كتلة "لبنان القوي".
إنطلاقاً من ذلك، رسم عون معادلة المرحلة المقبلة، التي من المفترض أن تبدأ مباشرة بعد تكليف الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة، بالرغم من أن رئيس الجمهورية حاول التأثير على رأي النواب عبر الإشارة إلى أنهم مدعوين باسم المصلحة اللبنانية العليا لتحكيم ضميرهم الوطني وحسّ المسؤولية لديهم تجاه شعبهم ووطنهم. وهذا الأمر من غير الممكن أن يقود إلى تبديل المعادلة التي رسمت، منذ ما قبل تأجيل موعد الإستشارات الماضي، خصوصاً أن أغلب هؤلاء لا يمانعون الذهاب إلى تسمية شخصيّة لا يعرفون عنها شيئاً إذا ما طلب منهم ذلك من قبل رؤساء كتلهم، كما حصل عند تكليف السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب.
هذه المعادلة تقوم على أساس واضح منذ الآن، عنوانه أنّ رئيس الجمهورية لن يقبل بفرض أمر واقع عليه، نتيجة إتّفاق غالبيّة الكتل النّيابية على مسار محدّد، فهو أكّد "قلت كلمتي ولن أمشي". وبالتالي سيكون حاضراً في عمليّة تأليف الحكومة التي تأتي مع بداية الثلث الأخير من عهده، متمسّكاً بصلاحيّاته الدستوريّة التي تعطيه الحق بأن يكون شريكاً كاملاً في عمليّة التأليف. وهذا يعني أن مهمّة رئيس الحكومة المكلّف لن تكون سهلة على الإطلاق، نظراً إلى أنّ أيّ تشكيلة حكوميّة سيقدّمها، لن تذهب إلى المجلس النيابي ما لم تحظَ بموافقة كاملة من جانب عون، الذي لن يتهاون في هذا الأمر.
في المحصّلة، عمل عون طوال الفترة الماضية على طرح معادلة التأليف قبل التكليف، كي يتفادى الصعوبات التي من الممكن أن تُرافق مرحلة تشكيل الحكومة، الأمر الذي لم يحصل نتيجة تمنّع رئيس الحكومة المفترض عن السعي إلى التفاهم مع "التّيار الوطني الحر"، ما يعني أن البلاد ستكون على الأرجح أمام مرحلة تأليف صعبة، عنوانها الأساسي: الميثاقيّة وصلاحيات رئيس الجمهوريّة.