منذ أن أعلن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري رغبته بالعودة إلى رئاسة الحكومة، تبدلت المعطيات التي ترافق عمليّة التأليف والتكليف معاً، نظراً إلى أنّ تشكيل حكومة برئاسته، يفترض شروطاً، من قبل القوى التي ستدعمها، تختلف عن تلك التي ستوضع في حال كانت برئاسة شخصيّة أخرى، سواء تولّى هو تسميتها أو ذهبت قوى الأكثرية النيابية إلى إختيارها.
في هذا الاطار، نجح الحريري في تأمين الأرضيّة اللازمة لإعادة تكليفه، أساسها نواب كتل "التنمية والتحرير"، "المستقبل"، "اللقاء الديمقراطي"، "الوسط المستقل"، "المردة"، "الطاشناق" و"الحزب السوري القومي الإجتماعي". بينما اختار كل من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" عدم تسمية أيّ شخصية، في ظلّ الخلاف المستمر بين رئيس الحكومة المكلّف ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بينما عدم تسمية "حزب الله" تعود إلى غياب الإجماع الوطني الشامل على الحريري، والأمر نفسه لكتلة "الجمهورية القوية"، ولو لأسباب مختلفة.
منذ ما قبل الإستشارات، كان من الواضح أنّ عملية التأليف لن تكون سهلة على الإطلاق، بدليل المواقف التي كان قد أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في الكلمة التي توجّه بها إلى اللبنانيين. لكن من الناحية العملية مسؤولية تأمين الظروف المناسبة لإنجاز المهمّة باتت تقع على عاتق الحريري، كونه المكلّف بالقيام بالإتصالات مع مختلف الكتل النيابية لتحقيق ذلك.
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن السؤال الأساسي، الذي يطرح نفسه اليوم، يتمحور حول الخطوات التي سيقوم بها رئيس الحكومة المكلف، بعد الإنتهاء من الإستشارات النيابية غير الملزمة التي تعقد في المجلس النيابي اليوم، بهدف تشكيل حكومة سريعاً تقوم بتنفيذ المهمات المطلوبة منها بموجب المبادرة الفرنسية، التي بات من الواضح أنّها ستكون برنامج العمل، خصوصاً أن رئيس الحكومة المكلف، عند إعلان ترشيحه، كان قد تحدّث عن أنّ عمرها من المفترض ألاّ يتجاوز 6 أشهر.
في الظروف الراهنة، لا ترى هذه المصادر أن لدى الحريري القدرة على إنجاز المهمة في وقت قصير، الأمر الذي يفتح الباب أمام سؤال عن أصل الطرح الذي تقدّم به، نظراً إلى أنّ فترة التأليف الطويلة تعني عدم إمكانيّة الحديث عن حكومة محدّدة المهلة مسبقاً، في حين أنّ نجاحها في تنفيذ المهمات المطلوبة منها لا يمكن أن يتم من دون توافق واسع حولها، بينما هو يفتقد إلى التفاهم مع "التيار الوطني الحر" و"حزب الله".
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أن المشهد الحكومي يتجه نحو سيناريوهين أساسيين:
-السيناريو الأول، يقوم على فرضية نجاح الوساطات في تأمين التفاهم بين الحريري وباسيل على المرحلة المقبلة، خصوصاً أن هناك العديد من الجهات التي تعمل على هذا الخط، رغم أنّها لم تنجح في تحقيق أي تقدّم يذكر في المرحلة التي سبقت التكليف، الأمر الذي قد يؤدّي إلى ولادة حكوميّة سريعة يستفيد منها الجانبان: فرئيس الحكومة المكلّف بحاجة إلى العودة القوية التي تقوم على تحقيق إنجازات ملموسة، في ظل التنافس القائم على مستوى الساحة السنّية، والأمر نفسه ينطبق على رئيس "التيار الوطني الحر" الذي، بالإضافة إلى السباق الذي يخوضه على الساحة المسيحيّة مع باقي الأفرقاء، لديه مصلحة في نجاح الحكومة التي قد تكون الأخيرة في عهد عون.
-السيناريو الثاني،يقوم على فرضية فشل الوساطات في تأمين التفاهم بين الحريري وباسيل، الأمر الذي لن يؤدي إلى ولادة حكومية سريعة.فرئيس الحكومة المكلف سيكون عليه البحث في كيفية التعامل مع رئيس الجمهورية، الذي لن يقبل التوقيع على أيّ تشكيلة حكوميّة لا تحظى بالميثاقيّة اللازمة، أيّ التمثيل المسيحي الوازن، الذي يفترض التفاهم مع "التيار الوطني الحر" أو حزب "القوات اللبنانية"، بعد أن تفاهم مع "الثنائي الشيعي" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، ما يعني أن البلاد ستكون على موعد مع كباش سياسي من العيار الثقيل، قد يتحول في مرحلة ما إلى أزمة نظام كامل.
في هذا السيناريو، من المفترض السؤال عما إذا كان الحريري قد يقدم على خطوة غير متوقّعة، حتى الآن، أيّ رمي ورقة الإعتذار بهدف تحميل رئيس الجمهورية مسؤوليّة التعطيل، عندما يجد مصلحة شخصيّة في ذلك.
في المحصّلة، ترى المصادر المطّلعة أنّ فرص التفاهم لا تزال قائمة، خصوصاً بعد أن قرر "التيار الوطني الحر" عدم تسمية أيّ شخصية أخرى، الأمر الذي من الممكن أن يُفسّر على أساس أنه خطوة نصف إيجابيّة، بالرغم من تأكيدها أنّ إحتمال تقدّم سيناريو على آخر يتوقف على أسلوب تعامل الحريري مع عمليّة التأليف.