لأن المخلّين بالأمن في بعلبك-الهرمل، وهم قلة قليلة مقارنة مع عدد سكان المنطقة، إعتادوا على عدم ضرب الدولة بيد من حديد وعلى عدم فرض الأمن كما يجب، لا بل أكثر من ذلك، لأنهم إعتادوا على سقوط هيبة الدولة، لا يمر يوم على مدينة الشمس من دون إشكال أمني ودائماً بلغة السلاح الخفيف والمتوسط. أكان الإشكال فردياً أم عشائرياً، على خلفية ثأر أم أموال أو مخدرات، أكان بسبب مناسبة فرح أو حزب، دائماً تكون لغة التخاطب بين الفريقين عبر الرصاص وقذائف الـB7 وغيرها من العيارات النارية. تخيلوا مثلاً أنه منذ أيام قليلة شهد سوق بعلبك عملية إطلاق نار ليلية على محال تجارية تبين فيما بعد للأجهزة الأمنية أن سببها شيكاً بقيمة 400 مليون ليرة أخذه صيرفي غير شرعي من زبون ولم يسدّد له قيمته عند تحصيله.
وتخيلوا أيضاً أن إشتباكات الأمس الصاروخية في حي الشراونة، دارت بين أهل العشيرة الواحدة، بين مجموعتين من آل جعفر.
كل هذه الأحداث والإشكالات التي تحصل بوتيرة أسبوعية في منطقة بعلبك-الهرمل، تستعمل فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لأن الإجراءات الأمنية التي اتخذت بعد سلسلة العروض العسكرية بين عشيرتي آل جعفر وآل شمص منذ أسابيع قليلة، والتي إقتصرت على بعض التوقيفات الخجولة، لم تكن على مستوى الجريمة المرتكبة خصوصاً أن هذه العروض التي إستتبعت بحواجز أقامتها العشائر على عينك يا قوى أمنية، تضرب مفهوم الدولة وتجعل هيبة القوى العسكرية والأمنية مفقودة. وعندما سألنا مصادر أمنية معنية مباشرة بأمن المنطقة المذكورة عن سبب هذا التراخي جاء الجواب إن "القرار إتخذ بتوقيف المطلوبين بالمفرّق وليس بالجملة عبر عملية عسكرية أو أمنية كبيرة لأن أي عملية من هذا النوع قد تؤدي الى سقوط الكثير من الضحايا المدنيين الأبرياء لأن المطلوبين يعيشون في أحياء سكنية وبين أهلهم وعائلاتهم، ولأنهم جميعا يملكون السلاح وهم لن يترددوا في إطلاق النار على أي قوة تنفذ عملية الدهم لتوقيف مطلوب وهذا ما أثبتته التجارب والعمليات الأمنية السابقة". ولكن هل يجوز ترك الوضع الأمني على ما هو عليه الى حين أن تصطاد القوى الأمنية المطلوبين فرداً فرداً، وهذا سيحتاج الى الكثير من الوقت وسيؤدي الى المزيد من الخضّات الأمنية في المنطقة؟ ولماذا لا يتم اللجوء الى فرض خطة أمنية إستثنائية خاصة بالمنطقة لأن الأمن لا يكون موسمياً وكي يشعر المطلوب أنه غير قادر على تنفيذ تجاوزاته وإرتكاباته يجب أن يكون دائماً في دائرة الملاحقة والخطر؟ أما الجواب الأمني "فلأن الوضع الضاغط مالياً وإقتصادياً لا يسمح بفرض تدابير أمنية إستثنائية على أي منطقة من المناطق".
إذاً، ما دام الحسم الأمني مؤجلاً لن تغيب الإشكالات والإشتباكات الصاروخية عن بعلبك–الهرمل. أحزاب المنطقة ترفض الدخول بين العشائر معتبرة أن مسؤولية كهذه يجب أن تلقى على عاتق الدولة، والأخيرة غائبة عن السمع.