الحرية تؤخذ ولا تعطى، والحرية تنتزع انتزاعا… إنّ التحرر من الأسر في قاموس الأسير المقاوم ماهر الأخرس لن يتمّ إلا بالمقاومة وكسر إرادة المحتلّ، تماماً كما أنّ تحرير الأرض المحتلة من دنس المحتلين المستعمرين لا يمكن أن يتحقق بغير المقاومة الشعبية المسلحة، مقاومة صلبة وشجاعة لا هوادة فيها في شنّ الحرب الشعبية المسلحة ضد قوات الاحتلال، َمقاومة لا تعرف المساومة على الحقوق، مقاومة تدرك أنّ من يساوم على جزء من حريته كأنما ساوم على الجزء الآخر من هذه الحرية، لأنّ الحرية لا تتجزأ، كما الأرض لا يمكن أن تتجزّأ.. فالتفريط بأيّ شبر منها والتسليم للمحتلّ به، سيعتبر من قبل المحتلّ خطوة على طريق استكمال خططه للاستيلاء على كامل الأرض… أليس هذا ما فعله ويفعله العدو الصهيوني المحتلّ، منذ توقيع اتفاق أوسلو، الذي اعترفت بموجبه قيادة منظمة التحرير بوجود الكيان الصهيوني الغاصب على 78 بالمئة من أرض فلسطين، ويسعى اليوم للاستيلاء على الـ 22 بالمئة المتبقية والتي تخضع بمعظمها لاحتلاله…
انه الدرس الذي يجدّد، المقاوم الأسير ماهر الأخرس، التأكيد عليه من خلال إضرابه المستمر عن الطعام.. درس يثبت أنّ الذلّ والمهانة ملازمان لمسار المساومة والتراجع أمام العدو، وأنّ الالتزام بخيار المقاومة هو طريق الحفاظ على الكرامة وتحقيق العزة.. فالعدو لا يتراجع إلا أمام المقاومة والإرادة الشعبية التي لا تلين في الدفاع عن الحق، فإما النصر الكامل والواضح، أو الشهادة،. هذا هو الطريق الذي اختاره الأسير المقاوم ماهر الأخرس، َوسائر الأسرى المقاومين الأبطال الذين سطروا ويسطرون ملاحم البطولة ويرسمون بمعاناتهم وتضحياتهم طريق حريتهم الحقيقية.. ويعيدون القضية إلى واجهة الأحداث باعتبارها قضية حق لا تموت طالما هناك مقاومين أمثال ماهر الأخرس…
غير أنّ مقاومة الأسرى، المستمرة، تسلط الضوء على مسألة هامة يجب لفت الانتباه إليها وهي خطورة أن نبقى نلعب دور الضحية لكسب التعاطف والتأييد، في حين أنّ المسألة يجب أن تكون قضية حق من ناحية، والاقتناع بأنّ استرجاع هذا الحق لا يمكن أن يتمّ إلا عبر خوض المقاومة الشعبية المسلحة بلا هوادة ولا تردّد من ناحية ثانية، فالأرض لا يمكن تحريرها عبر لعب دور الضحية.. وإنما عبر إطلاق المقاومة المسلحة الدائمة من قبل أصحاب الأرض الحقيقيين، ضدّ المستعمرين الاستيطانيين، الذين أقاموا مستعمراتهم عبر قتل وطرد السكان الأصليين والاستيلاء على أرضهم.. فهؤلاء المستعمرون لا تنفع معهم إلا لغة القوة، لأنّ ما أخذ بالقوة لا يُستردّ بغير القوة… هذا هو الدرس الذي أكدته تجارب الشعوب المقاومة ضدّ الغزاة والمستعمرين، في فيتنام والصين وكوبا وفرنسا والجزائر واليمن ومصر وسورية ولبنان وغزة إلخ… وفلسطين المحتلة لا يمكن أن تكون خارج هذه القاعدة التي تترسخ مع كل يوم من أيام الاحتلال وإرهابه وقمعه وسرقته للأرض وتنكره لحق أصحابها.. فكلما شعر المحتلّ الصهيوني أنه قادر على التوسع في الأرض والاستيلاء عليها، فإنه يوغل في ذلك ويزداد شراسة في بطشه وارهابه وعدوانه وعنصريته، والعالم يتفرج لا يحرك ساكنا تجاه انتهاكاته السافرة لحقوق الإنسان والسطو على أرضنا في فلسطين.. وما ينطبق على الأرض ينطبق أيضاً على الأسرى والمعتقلين في سجون وأقبية الاحتلال.. لهذا فإنّ الطريق لتحرير الأسرى والأرض هو طريق المقاومة الشعبية المسلحة، التي يجب أن تبنى على أسس استراتيجية صلبة حتى تكون قادرة على خوض غمار الكفاح المستمر ضد عدو لا يتوانى عن ارتكاب المجازر وتزوير الحقائق لتحقيق أهدافه الاستعمارية الاستيطانية بدعم من قوى الاستعمار الغربي..