على رغم من التكتم الذي يحوط مشاورات التأليف الجارية على خط «بيت الوسط» ـ القصر الجمهوري وما بينهما الكتل النيابية والقوى السياسية البارزة، فإنّ ما يرافق تشكيل هذه الحكومة يختلف الى حدٍ ما عن سابقاتها بالمعنى الايجابي لا السلبي، في ضوء خطورة المرحلة التي بلغتها الأزمة بتشعباتها السياسية والاقتصادية والمالية، ووقوف البلاد على حافة الانهيار الشامل.
ويبدو، حسب معنيين، انّ المشاورات الجارية قد حسمت موضوع المداورة في توزيع الحقائب الوزارية على اختلافها، من اساسية او غير اساسية، كذلك حسمت الطريقة التي سيتمّ اختيار اسماء الوزراء وإسقاطها على الحقائب. لكن، ما يؤخّر الولادة الحكومية، هو عدم حصول تفاهم بعد على توزيعة الحقائب وفق المداورة الجديدة، بعد اتفاق قبلَ به الجميع، وهو إبقاء وزارة المال من حصّة الطائفة الشيعية خارج هذه المداورة، وهو ما كان الرئيس المكلّف سعد الحريري سلّم به تحت عنوان «لمرة واحدة وأخيرة»، واعترض عليه رفاقه في نادي رؤساء الحكومة السابقين، الرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، وذلك أيام تكليف السفير مصطفى اديب، الذي اعتذر ولم يؤلف للأسباب التي يعرفها الجميع.
ويقول قطب نيابي بارز، انّ المرحلة الحرجة التي تعيشها البلاد تفرض تأليف حكومة اليوم قبل الغد، وكذلك تفرض على المعنيين ان يتحلّوا بالمرونة وتحمّل المسؤولية، بما يفضي الى ولادة هذه الحكومة، على ان تُعالج لاحقاً كل الشكاوى. فالمطلوب ان ينخرط الجميع في عملية الإنقاذ وعدم التوقف عند الحصص ونوعية هذه الوزارة او تلك. وينبغي ان تتلاقى الإرادات والنيات على ضرورة اخراج البلاد من ازماتها وانقاذها من الانهيار. وفي رأي هذا القطب، انّه حتى في موضوع المداورة في توزيع الحقائب الوزارية، ينبغي ان تكون المواقف مرنة. وفي هذا الصدد، وعلى ما يُنقل من اوساط ورشة التأليف، فإنّ الرئيس المكلّف قَبل بالتخلّي عن وزارة الداخلية، التي هي الآن من حصة الطائفة السنّية، مقابل عدم رغبة «التيار الوطني الحر» او رئيس الجمهورية، ببقاء وزارة الخارجية من حصّة الطائفة المارونية، وكذلك بقية الوزارات، ولا سيما منها وزارة الطاقة، التي يتداول المعنيون بخيارات عدة بشأنها، توصلاً الى اتفاق على اسناد وزارة وازنة مثلها الى الطوائف المسيحية.
وينطلق العاملون على التأليف في توزيع الوزارات من مبدأ التوزيع العادل على الطوائف حسبما تنصّ المادة 95 من الدستور في هذا الصدد. حيث تقول، إنّه في المرحلة الانتقالية قبل الغاء الطائفية السياسية المنصوص عنه في المادة نفسها، تمثل الطوائف بصورة عادلة في الحكومة. أما في ما يتعلق بتسمية الوزراء وإسقاطهم على الحقائب الوزارية بكل انواعها، فيبدو انّ اتفاقاً قد حصل بين المعنيين بالاستحقاق الحكومي، على تكوين سلة من الاسماء من اصحاب الاختصاص ومن غير الحزبيين او «مكتومي القيد السياسي»، إذا جاز التعبير، بحيث يختار رئيس الحكومة الاسماء لكل وزارة منها، من دون ان يكون او يُقال انّ هذا الاسم او ذاك محسوب على هذا الفريق السياسي او ذاك، بحيث لن تكون لأي وزير اي صفة حزبية او سياسية، وانما يكون جميع الوزراء على اختلاف طوائفهم يحظون بدعم كل الطوائف التي يمثلون ومختلف القوى السياسية، ولكنهم سيكونون تحت المجهر، فمن لن يثبت الجدارة في أدائه وتحمّله المسؤولية سيتمّ نزع الثقة منه وتعيين بديل مكانه.
اما في ما يتعلق بالبيان الوزاري، فإنّ التوجّه هو ان يكون مضمونه كل البنود الإصلاحية الواردة في المبادرة الفرنسية، وتلك التي كان الحريري قد اعلنها قبيل استقالته في تشرين الاول 2019، وسيتمّ «شلبنة» البند المتعلق بموضوع مقترحات صندوق النقد الدولي في شأن معالجة الأزمة المالية والاقتصادية وسبل مساعدة لبنان، وذلك على قاعدة ان لا يؤدي هذا الاقتراح او ذاك الى رهن لبنان بأي ارادة خارجية، بحيث تأخذ الحكومة بالمقترحات التي تساهم فعلياً في المساعدة في معالجة الازمة وعدم الأخذ بأي اقتراح يمكن ان يقيّد السيادة الوطنية.