تاريخياً، كان للانتخابات الرئاسية الأميركية تأثير كبير على الأسواق المالية، وقد تكون نادرة المرّات التي اقتربنا فيها من موعد الاستحقاق مع كثير من الشكوك. هذه الجولة هي كذلك. وما يزيد من حالة عدم يقينها، تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالطعن بالنتائج ما قد يؤدي إلى فوضى وأسابيع من التقلّبات في الأسوق التي قد تستمر لفترة طويلة.
لا يتوقع ترامب ما هو أقل من”أنّها أكثر الانتخابات فقداناً للدقة، وأكثرها تزويرًا“، مهدداً بالطعن بالنتائج. ونعتقد أن النتيجة الأسوأ للأسواق المالية هي في تأخير اعلان النتائج أو في وقوع خلافات بشأنها. كانت المرّة الأخيرة التي عُلّقت خلالها نتائج الانتخابات الرئاسية، عام 2000. لم تحسم النتيجة بالكامل إلّا من قبل المحكمة العليا وذلك بعد خمسة أسابيع من يوم الانتخابات. في غضون ذلك، انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 10٪ تقريبًا، وانخفض مؤشر ناسداك بنسبة 20٪، وارتفع الذهب بنسبة 4٪، وانخفض النفط الخام بنسبة تزيد عن 5٪ عن قمّته الشهرية قبل أن يرتفع مرة جديدة بعد خطاب آل غور. خلال هذه الانتخابات، وفي حال لم يكن لدينا خطاب تنازل على الفور، سواء من قبل المنافس أو من قبل شاغل الموقع، فنتوقع أن يكون وقْعُ ذلك سيئًا للغاية على سوق الأسهم وقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب.
دعونا نلقي نظرة على من يُرجّح فوزه؟
بالعودة إلى الوراء وتحديداً منذ العام 1932، نلاحظ أنّه عادة ما يُعاد انتخاب من يكون في موقع الرئاسة، ما لم يحدث ركود خلال فترة وجوده في المنصب. تمرّ الولايات المتحدة الآن بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير، وربما لهذا السبب يتمتع جو بايدن في استطلاعات الرأي بحظوظ تقدّم مستقر بشكل ملحوظ.
يعتقد فريق سكويرد فاينانشيل للرؤى المالية أن السباق يشهد مواجهة محتدمة، وأنّ الفارق سيكون محدوداً، والنتيجة ستظل غير مؤكّدة لأسباب مختلفة.
أولاً، يتقدّم بايدن في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وفلوريدا ونورث كارولينا وميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن ضمن هامش الخطأ، ويتفق الخبراء على أن هذه الولايات ربما هي التي ستقرر نتيجة الانتخابات.
ثانيًا، يتمتّع ترامب بتصنيف إيجابي بنسبة 4٪ في ما خصّ تعامله مع الاقتصاد الأميركي، لذلك نعتقد أنه إذا تجاوزت أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث (التي ستصدر في 29 أكتوبر) التوقعات، فهذا سيمنح ترامب حقوق المفاخرة وبعض النقاط الإضافية وذلك قبل 5 أيام فقط من موعد الانتخابات!
ثالثًا، من المتوقع حدوث إقبال قياسي للناخبين بسبب التصويت الجديد عبر البريد الاكتروني ما يجعل من السهل عليهم الإدلاء بأصواتهم. بالفعل، حطّمت ولاية جورجيا سجل إقبالها في أول يوم اقتراع مبكر يوم الأربعاء الماضي 14 أكتوبر. ولا أحد يعرف كيف ستؤثر هذه النسبة العالية من الناخبين على نتائج الانتخابات.
مهما كانت النتيجة، فإن ردّة فعل السوق لن تعتمد فقط على من سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة، ولكن أيضًا على الحزب الذي سينتهي به المطاف بالسيطرة على مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركي.
من شبه المؤكد أن اكتساح الحزب الديمقراطي سيعني تراجعًا عن التخفيض الضريبي الهائل الذي فرضه ترامب على الشركات (ليس جيدًا لنتائج أرباح الشركات على المدى القريب). وسيعني ذلك أيضًا رزمة تحفيز اقتصادية إضافية (انخفاض الدولار، وارتفاع الذهب).
يريد الديمقراطيون أيضًا زيادة الضرائب على الأرباح الأجنبية وعلى الأغنياء للمساعدة في سداد المبالغ المالية التي تم إنفاقها في مكافحة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن كوفيد- 19. (ستضر الضرائب المرتفعة بتدفقات الاستثمار الأجنبي وقد تضر أيضاً بالأسهم على المدى القصير ولكنها ستؤدي إلى نمو أكبر على المدى الطويل). أخيرًا، سيكون وقف التصعيد على جبهة التجارة الصينية، إيجابيًا على نحو هام.
إذا كان الجمهوريون يسيطرون على كل من المكتب الرئاسي ومجلس الشيوخ، فمن المحتمل أن يستمر ترامب في سياسة الضرائب المؤاتية للشركات وجهود إلغاء الضوابط التنظيمية. ويمكننا أن نرى الدولار الأميركي يرتفع مؤقتًا ربطاً بآفاق التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين وحالة عدم اليقين الجيوسياسي الأوسع. إلى ذلك، من المرجح أن يكون أداء مؤشرات الطاقة والنفط الخام أفضل في ظل حكم ترامب، بينما ستكون قطاعات الطاقة المتجددة والبنى التحتية ذات الصلة، هي الرابحة في ظلّ قيادة بايدن وقد تشهد ازدهاراً.
إليك ما نعتقد أنّه سيحدث للأسواق في ظل سيناريوهات الانتخابات المختلفة:
السيناريو الأول:
إذا فاز ترامب، وسيطر الجمهوريون على مجلس الشيوخ وظلت السيطرة على مجلس النواب للديمقراطيين، فمن المرجح أن ترتفع المؤشرات الرئيسية إلى 5٪ إلى 10٪. بعد فوز ترامب في انتخابات عام 2016 سرعان ما قفزت الأسواق. اذ دفع من خلال التخفيضات الضريبية للشركات ونُظم الأعمال المسهّلة. تتوقع وول ستريت استمرار البيئة المؤيدة للأعمال في ظل فترة ولاية ثانية محتملة لترامب، لكن التوترات مع الصين ووباء فيروس كورونا قد يواصلان في فرض تحديات على السوق. لا تنسوا أن الولايات المتحدة غرقت رسميًا في ركود في فبراير 2020 ولم تخرج منه بعد. يتفق المحللون إلى حد كبير على أنه إذا فاز ترامب بولاية ثانية، فإن قطاعات مثل الدفاع والمالية والتكنولوجيا ستستفيد، بينما ستتضرر تجارة التجزئة بسبب الحرب التجارية مع الصين.
السيناريو الثاني:
إذا فاز بايدن، وسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ واحتفظوا بمجلس النواب، فقد نرى المزيد من التغييرات في السياسة، والتي تشمل وعد بايدن برفع الضرائب التي من شأنها زيادة الضغط على قيمة الدولار، الأمر الذي سيكون إيجابيًا للذهب. نتوقع أيضًا ارتفاعًا كبيرًا في العملات الأجنبية الرئيسية مثل اليورو والجنيه. من المحتمل أن تشهد مؤشرات الأسهم عمليات وقف بيع أولية بنسبة 10٪، ولكن من المهم أن نلاحظ أنه في السنوات الـ22 الماضية عندما كان الديمقراطيون يسيطرون على المكتب الرئاسي والفروع التشريعية، ارتفعت سوق الأسهم بمعدل 10٪.
السيناريو الثالث:
إذا فاز بايدن واحتفظ الجمهوريون بمجلس الشيوخ فسيكون ذلك خبراً سيئا للأسهم لأنه من المحتمل أن يعني جموداً. قد يكون الجمهوريون أكثر صعوبة في ما يتعلق بتحديد مصير رزمة التحفيز المالي الجديدة في وقت تشتد فيه الحاجة إلى المزيد من الأموال. نظرًا لأن الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية يعتمدان كثيرًا على هذا الإنفاق، فإن مخاطر”الانحدار المزدوج“ ستكون عالية جدًا. لذلك من المرجح أن يكون ذلك سيئاً للأسهم ويؤدي إلى انخفاض الطلب على الذهب.