لم يعد لبنان بعيداً عن التأثر بالتغييرات المناخية التي تشهدها الكرة الأرضيّة، التي باتت تهدد غابات الأرز بكل ما تحمله من معاني. فهذه الشجرة تعتبر الرمز الأساسي لهذا البلد، حيث تتوسط العلم ويطلق عليه وصف "وطن الأرز".
الحديث عن هذا الموضوع ليس بالجديد بل يعود إلى سنوات ماضية، لكن الخطر يتعاظم يوماً بعد آخر، نتيجة التداعيات التي يتركها التغيير المناخي، التي لا تنتهي عند زيادة الحرائق التي تشهدها البلاد، بل تشمل أيضاً إستفحال إنتشار بعض الحشرات الضارة وغيرها من الأمور.
تعتبر شجرة الأرز من الأقدم على وجه الكرة الأرضية، حيث يبلغ عمرها أكثر من 100 مليون سنة، وهي تعتبر من أصلبها نظراً إلى قدرتها على مقاومة تداعي أو إرتفاع درجات الحرارة، بحسب ما يؤكد الخبير في علوم الحشرات والأحراج الدكتور نبيل نمر في حديث لـ"النشرة".
في هذا السياق، يشير نمر إلى أن جميع أنواع الأشجار تتأثر بالتغيير المناخي، إلا أنه يلفت إلى أن الأرز، بشكل خاص، من المفترض أن يكون الأقل تأثراً، ويوضح أن الذي يتأثّر هو النظام الأيكولوجي الخاص بغابات الأرز، لناحية تراجع كميّات المياه ونسبة الرطوبة في التربة، الأمر الذي سيؤدّي إلى عدم تجدّد الغابات، لأنّ تساقط البذور على الأرض لن يؤدّي إلى نموّ أشجار جديدة، بالإضافة إلى إستفحال بعض الأمراض والحشرات التي تؤثر سلباً على الأرز.
إنطلاقاً من ذلك، يرى نمر أن التأثير هو على ديمومة الغابات التي ستقتصر على الأشجار المعمّرة، ويشير إلى أنّ التغييرات المناخيّة قد تؤدّي إلى عدم نمو الأرز في الأماكن غير المرتفعة، ما يعني إقتصاره على المرتفعات، ويعتبر أن من الأفضل أن تكون كل أعمال إعادة التشجير في هذه الأماكن.
من جانبه، يلفت منسّق السياحة البيئيّة في محميّة الشوف الطبيعيّة عمر أبو علي، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنّ التغيبر المناخي يؤثر على طبيعة الغابات، حيث أنه في الماضي "لم نكن نجد أشجار الأرز على علو يفوق 1700 أو 1800 متر، بينما خطّ الأشجار اليوم يتجّه صعوداً، الأمر الذي يترك أثره على التنوع البيولوجي الموجود في لبنان".
ويشير أبو علي إلى أن الأرز اليوم يتكيّف مع التغيّر المناخي، حيث يعيش على الارتفاع الّذي المذكور، إلا أنّه يحذر من أنّه في حال إستمرار خط الأشجار بالصعود، فإنّ ذلك سيقود إلى زوال هذه الأشجار في مرحلة ما لا يمكن أن يتوقعها أيّ شخص، نظراً إلى أن العوامل الطبيعية قد تتبدل.
من وجهة نظر أبو عمر، الخطر موجود وسببه الإنسان بشكل أساسي، أيّ الممارسات التي يقوم بها، ويوضح أنّ مسألة التغيير المناخي ظاهرة عالميّة، إلا أننا "نحاول إعادة المشهد إلى طبيعته عبر تشجيع المواطنين على الزراعة"، ويوضح أن إنتشار فيروس كورونا المستجدّ، في الأشهر الماضية، كان عاملاً مساعداً، نظراً إلى أنّه دفع المواطنين بالعودة إلى أراضيهم.
ويوضح أبو عمر أن المحميّة تعمل تحت جناح وزارة البيئة، إلا أنّه يشير إلى أن قدرات الدولة على المساعدة محدودة، الأمر الذي يدفع إلى الإعتماد، بشكل أساسي، على المشاريع والقدرات الذاتيّة والخبراء المحليين والدوليين، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي في المجتمعات المحيطة.
بالنسبة إلى المهندس الزراعي وأمين عام لجنة أصدقاء الأرز شربل طوق، فإننا لبنان غير قادرين على الشعور بالتغيّر المناخي بشكل مباشر، نظراً إلى أن التأثير هو في البلدان ذات المساحات الكبيرة، ويوضح أن الأرزة شجرة كبيرة تأتي برأس الهرم النباتي، وبالتالي "قبل أن نشعر بأنّها مهدّدة يجب مراقبة أشياء أخرى، كالحشرات الملقّحة"، ويشير إلى أنه في الطبيعة هناك الكثير منها في المرتفعات، التي من الضروري مراقبتها لمعرفة ما إذا كانت تتأثر بالإحترار".
من وجهة نظر طوق، "عندما نشعر بهذا العامل، الذي يؤثر على المجتمع النباتي، يمكن أن يبدأ الحديث العملي عن التأثير السلبي على المدى الطويل"، ويعتبر أنّ من الصعب الجواب على سؤال يتعلق بتأثر شجر الأرز بالتغيير المناخي، خصوصاً أن ليس هناك من بروتوكول علمي متّبع لملاحقة الحشرات والنباتات الصغيرة".
في النتيجة، يرى طوق أنه" في حال خسرنا أول 100 متر، حيث يعيش شجر الأرز ما بين 700 و800 متر حتى 2000 متر، من الممكن أن نكسبها بشكل آخر، أي على 2100 متر، حيث هناك جبال مرتفعة في لبنان قد تكون هي موطن شجر الأرز في المستقبل"، ويضيف: "لا أرى خطراً وجودياً على أشجار الأرز".