لفت وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى، إلى أنّ "الرابع من آب 2020، لم يكن يومًا عاديًّا في العاصمة بيروت. سيبقى صدى انفجار هذا النهار المشؤوم يتردّد في ذاكرة اللبنانيين، وستظلّ دموع بيروت تبكي مئات الشهداء وآلاف الجرحى، ولكن لن يغطّي الغبار المتناثر وجه بيروت المضيء، وسنعمل يدًا بيد لإعادة ضخّ الحياة في شرايين عاصمتنا المجروحة".
وأشار في مؤتمر صحافي في قصر الأونيسكو ببيروت، خلال إطلاق المرحلة الثانية من عملية تدعيم وترميم الأبنية التراثية في بيروت، إلى أنّ "وقوع انفجار بيروت في منطقة المرفأ، وسط أحياء تراثيّة وتاريخيّة، أدّى إلى تضرّر الآلاف من الوحدات السكنيّة والمئات من الأبنية التراثيّة والتاريخيّة، وانسحبت الأضرار على الصناعات الثقافيّة. باختصار، لقد ترك الانفجار بصمات مدوّية في قطاعنا الثقافي المادي واللامادي، شكّلت نداء استغاثة للمجتمع الدولي والمحلّي، فسارعت جهات دوليّة ومحليّة، رسميّة وخاصّة إلى بذل الجهود، كلّ ضمن اختصاصها وإمكانيّاتها لإنقاذ تراثنا المعماري، والحفاظ على النسيج الاجتماعي الوطني في هذه الأحياء".
وأوضح مرتضى أنّ "بالنسبة إلى وزارة الثقافة، المؤتمنة على التراث الوطني بأشكاله كافّة، فقد ضرب الانفجار مساعيها الحثيثة وجهودها في الحفاظ على الأبنية التراثية. منذ اليوم الأوّل، سارعنا إلى احتواء هَول الكارثة على صعيد الإرث العمراني، فشكّلنا خليّة أزمة قوامها الجهاز الفنّي في هذه الوزارة، والعديد من المهندسين والخبراء المتطوّعين الّذين وَضعوا خبراتهم لإعادة تدعيم وترميم الأبنية التراثيّة المتضرّرة، وتواصلنا مع العديد من الجهات المانحة لمؤازرتنا في هذه الظروف العصيبة".
وشدّد على "أهمية تضافر الجهود ودور الوزارة"، مبيّنًا "أنّنا نلتقي اليوم، بعد مرور تسعين يومًا على هذه الكارثة، لنتشارك مبادرة وزارة الثقافة في إعادة ترميم الأبنية التراثية، وما آلت إليه المرحلة الأولى، وإطلاق المرحلة الثانية". وشرح أنّ "بدايةً، اعتمدت وزارة الثقافة على المسح الأوّلي للأحياء المتضرّرة، ليتمّ تقسيم المناطق إلى ثلاث (المنطقة الحمراء، المنطقة البرتقالية والمنطقة الزرقاء)، آخذين بالاعتبار عامل موقعها بالقرب من موقع الانفجار أو مدى مواجهتها له. وتمّ تحديد الأبنية التراثيّة المتضرّرة وفقًا لدرجة تضررها. وأطلقت، على أساس هذا المسح، خطّة عمل تمتدّ على ثلاث مراحل، تمّ تحديد هدف كلّ واحدة منها بالاستناد إلى أولويات التدخل الميداني والتقني".
وركّز على أنّ "من البديهي، أن تكون المرحلة الأولى قد خُصّصت لأعمال التدعيم الطارئة وتغطية أسقف القرميد المتضرّرة، لا سيّما وأنّنا قاب قوسين من فصل الشتاء"، معربًا عن أسفه أنّ "المرحلة الأولى قد استنفدت الإمكانيّات الماديّة للمساهمين المتطوّعين مجّانًا، فتعثّرت عمليّة استكمال أعمال التدعيم والتغطية لعدد من هذه الأبنية، في ظلّ ضآلة المساهمات الماليّة واقتصارها على دعم مادي، قدمّه مشكورًا كلّ من تحالف "أليف" ومنظمة الأونيسكو والمعهد الألماني للآثار".
وذكر مرتضى أنّ "على الرغم من هذه التعثّرات والمصاعب، قرّرنا أن نمشي قدمًا في خطّتنا الإنقاذيّة للنسيج الاجتماعي والمعماري للعاصمة بيروت، متسلّحين بإرادة الحياة والصمود المنبعثة من كلّ فرد فينا، ومن كلّ زاوية من زوايا بيروت، معتمدين على دعم الدول الصديقة والجمعيات والمنظمات المحلية والدولية".
كما فسّر أنّ "المرحلة الثانية يتداخل فيها العنصر الإنساني مع أعمال الترميم، الّتي تتطلّب 300 مليون دولار أميركي"، مؤكّدًا أنّ "حقّ المواطنين على دولتهم مساعدتهم لترميم منازلهم المتضرّرة وتأمين عودتهم السريعة الآمنة إليها، ولكن يبقى العامل المادي عائقًا أساسيًّا أمام استكمال أعمال الترميم والتأهيل، يقتضي علينا محاربته وعدم الاستسلام له وطبعا التغلّب عليه". وشدّد على أنّ "بيروت لن تبنى إلّا بجهودنا جميعًا، أفرادًا وجمعيات ومنظمات محليّة ودوليّة، مواطنين مقيمين أو مهاجرين، لذا تعالوا نطلق معًا المرحلة الثانية من خطة ترميم وتأهيل أحياء بيروت التراثيّة من خلال حملة "تبني مبنى تراثي- Adopt a House"، أو تبنّي مجموعة من الأبنية التراثيّة تشكّل في ما بينها نسيجًا متماسكًا، يَشمل في طياته البعد الإنساني والاجتماعي والثقافي للمكان".