عند تشكيل حكومة سعد الحريري الماضية، أي بعد الإنتخابات النيابية في أيار 2018، برزت عقدتين أساسيتين: الأول تمثلت بتمثيل النواب السنّة المستقلين، أيّ "اللقاء التشاوري"، بعد أن نجحوا في الفوز بعدد من المقاعد النيابية. أما الثانية فهي بالتمثيل الدرزي، حيث كان هناك إصرار، من قبل "التيار الوطني الحر"، على تمثيل رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان، إنطلاقاً من رئاسته كتلة "ضمانة الجبل" المؤلفة من 4 نواب.
في ذلك الوقت، لم يكن رئيس "الحزب التقدّمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط راغب في ذهاب مقعد درزي لأرسلان، لا سيما بعد الخلافات التي وقعت بين الجانبين خلال مرحلة الإنتخابات النيابية. بينما "الكباش" حول تمثيل النواب السنّة المستقلين كان كبيراً، قبل أن يتم التوافق على توزير نجل رئيس حزب "الإتحاد" النائب عبد الرحيم مراد الوزير السابق حسن مراد، بعد إصرار "حزب الله" على ذلك.
في الوقت الراهن يبدو أنّ المعادلة تبدلت، حيث لم يأتِ أحد على ذكر أي إحتمال لتمثيل النواب السنّة المستقلين، في ظلّ الحديث عن رغبة رئيس الحكومة المكلّف بالذهاب إلى حكومة اختصاصيين. لكن في الأوساط السياسية حديث عن معركة حول التمثيل الدرزي، عنوانها الأساسي رغبة جنبلاط بحصر التمثيل الدرزي بـ"الإشتراكي"، مقابل مطالبة أرسلان، بالإضافة إلى رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهاب، بالحصول على مقعد وزاري.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ رئيس "الإشتراكي" كان واضحاً، منذ الإتفاق مع الحريري على تسميته في الإستشارات النيابية الملزمة، برغبته بالحصول على حقيبة خدماتيّة وازنة: الصحة أو التربية، بالإضافة إلى حصر التمثيل الدرزي به، الأمر الذي ترجم بعدم تواصل رئيس الحكومة المكلّف مع أرسلان قبل الإستشارات، على عكس ما حصل مع رئيس "الكتلة القوميّة الإجتماعيّة" النائب أسعد حردان.
العنوان الأساسي لهذه المواجهة يتعلق بحجم الحكومة المقبلة، حيث كان الحريري يطرح أن يكون عددها 14 وزيراً، أي 7 مسلمين موزعين على الشكل التالي: 3 سنة، 3 شيعة، 1 درزي، وبالتالي المقعد الأخير سيكون حكماً من حصة "الإشتراكي"، لكن مع إصرار العديد من القوى السياسية، لا سيما رئيس الجمهورية ميشال عون، على توسيعها ذهب رئيس الحكومة إلى طرح 18 وزيراً، أي 9 وزراء مسلمين: 4 سنة، 4 شيعة، 1 درزي.
هذا الواقع، يدفع هذه المصادر إلى السؤال عن الأسباب التي دفعت الحريري إلى طرح حكومة من 18 وزيراً لا 16 وزيراً أو 20 وزيراً، لتشير إلى أن الهدف الأساس هو حصر التمثيل الدرزي بـ"الإشتراكي"، نظراً إلى أنّه في حكومة من 16 وزيراً التوزيع سيكون على الشكل التالي: 3 سنة، 3 شيعة، 2 دروز، بينما في حال رفع عددها إلى 20 وزيراً سيكون: 4 شيعة، 4 سنة، 2 دروز، وبالتالي يصبح من الطبيعي أن يطلب أرسلان أن يسمي الوزير الثاني أو أن يقترح مجموعة من الأسماء.
في هذا الإطار، بات من الواضح أن كلاًّ من أرسلان أو جنبلاط، بحسب ما ترى المصادر نفسها، غير راغب في خوض مواجهة مباشرة حول هذا الموضوع، لا سيما أن المصالحة بينهما، التي تمّت برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لم يمض عليها وقتا طويلاً، وبالتالي كل منهما يعتمد على حلفائه في خوض المعركة، فالأول يراهن على أن يسمح عدد أعضاء الحكومة بحصول الطائفة الدرزية على وزيرين، بينما يراهن الثاني على قدرة الحريري على الصمود أمام رغبات بعض الأفرقاء برفع عدد أعضائها.
في المحصّلة، التمثيل الدرزي هو من الأمور التي لم تحسم بشكل نهائي في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، نظراً إلى أنها ترتبط بشكل أساسي بعدد أعضائها، فهل تحول دون ولادتها في حال معاجلة مختلف العقد الأخرى أم أن تركيز الأفرقاء الأساسيين على أمور أخرى سيحول دون خوض معركة حاسمة حولها؟.