اعتبرت منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، أن "مجلس شورى الدولة اللبناني، وهو أعلى محكمة إدارية في البلاد، وجه صفعة قوية لحقوق عاملات المنازل المهاجرات بتعليق أعمال عقد عمل موحد جديد"، لافتةً إلى أن "العقد الموحد الذي تبنته وزارة العمل في 8 أيلول 2020، تضمن إجراءات حماية جديدة لعاملات المنازل المهاجرات، بما في ذلك الضمانات البالغة الأهمية ضد العمل القسري، وكان من الممكن أن يكون خطوة أولى مهمة نحو إلغاء نظام الكفالة المسيء".
وذكرت المنظمتان بأنه "في 21 أيلول، قدمت نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل شكوى إلى مجلس الشورى تطالب فيها المجلس بوقف تنفيذ قرارين صادرين عن وزيرة العمل باعتماد العقد الموحد الجديد لعاملات المنازل المهاجرات، والحد من نسبة الاستقطاعات المسموح بها التي يمكن لصاحب العمل أن يقتطعها من راتب عاملة المنزل - الذي يعادل الحد الأدنى الوطني للأجور - فلا تتعدى 30 بالمئة"، منوهةً بأنه "في 14 تشرين الأول، حكم مجلس الشورى لصالح مكاتب الاستقدام على أساس أن القرارين ينطويان على أضرار جسيمة لمصالح تلك المكاتب، ولم يشر المجلس إلى حقوق عاملات المنازل المهاجرات، التي يلتزم لبنان بحمايتها بموجب القانون الدولي".
كما أكدت أنه "ثمة ما يقدر بـ 250 ألف عاملة منزل مهاجرة تعملن في لبنان. والغالبية العظمى نساء يأتين من بلدان أفريقيا وجنوب وجنوب شرق آسيا، بما في ذلك إثيوبيا، والفلبين، وبنغلاديش، وسري لنكا. ويتم استثنائهن من حماية قانون العمل اللبناني، كما يتم تنظيم وضعهن في البلاد من خلال نظام الكفالة، وهو نظام هجرة تقييدي، عبارة عن قوانين وأنظمة وممارسات عرفية تربط الإقامة القانونية للعاملات المهاجرات بصاحب العمل".
وفي هذا الإطار، أوضحت مسؤولة حملات لبنان في منظمة العفو الدولية ديالا حيدر إلى أن "النمط المشين للانتهاكات ضد عاملات المنازل المهاجرات في ظل نظام الكفالة يجب أن ينتهي، وعلى السلطات اللبنانية، بما في ذلك القضاء، واجب حماية حقوق هؤلاء العاملات بدلا من حماية نظام يسهل الاستغلال والعمل القسري والاتجار بالبشر".
الجدير بالذكر أن "منظمة هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، والعديد من المنظمات الأخرى، "وثقوا على مدار سنوات كيف يمنح نظام الكفالة أرباب العمل سيطرة كبيرة على حياة العاملات. وأدى ذلك إلى مروحة من الانتهاكات، بما في ذلك عدم دفع الأجور، والاحتجاز القسري، وساعات العمل المفرطة من دون الحصول على أيام راحة أو فترات راحة والاعتداء اللفظي والبدني والجنسي. وهؤلاء اللواتي تركن أرباب عملهن دون إذن خاطرن بفقدان إقامتهن القانونية في البلاد ويواجهن الاحتجاز والترحيل. وينص العقد السابق على استثناء للعاملات في الحالات القصوى من سوء المعاملة، حيث يقع عبء الإثبات على عاتق العاملة، مما يترك العاملات عالقات، بما في ذلك في حالات العمل القسري".
وشددت تالمنظمتان في بيانهما على أنه "وفقا لمنظمة العمل الدولية، يتم توظيف ما يقرب من 90 في المئة من عاملات المنازل المهاجرات العاملات في لبنان من خلال إحدى المكاتب. وتقوم مكاتب الاستقدام في لبنان بتوظيف العاملات من خلال مكاتب شريكة لها في بلدان الأصل أو من خلال ممثليها في الخارج. يعتمد نموذج أعمالهم على فرض رسوم توظيف عالية على أرباب العمل تتراوح بين ألف دولار أميركي وثلاثة آلاف دولار أميركي. ووجدت منظمة العمل الدولية أن أرباب العمل غالبا ما يكونون غير متأكدين مما تغطيه الرسوم. كما وجدت أيضا أن هناك تفاوتا كبيرا في رسوم التوظيف، اعتمادا على دخل صاحب العمل وجنسية العاملة".
ووثقت كل من منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" الانتهاكات التي ارتكبتها مكاتب التوظيف. وطلب بعض المكاتب من أرباب العمل دفع راتب الأشهر القليلة الأولى لهم، بدلا من العاملة، منتهكة بذلك حقوق العاملة. وذكر بعض العاملات أيضا بأنهن تعرضن للاعتداء البدني واللفظي، والعمل القسري، والاتجار بالبشر على أيدي مكاتب الاستقدام".
وأضاءت المنظمتان على "موقف نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات التي رأت أن عاملات المنازل المهاجرات مستثنيات على وجه التحديد من قانون العمل، وبالتالي فإن علاقتهن مع صاحب العمل لا يحكمها سوى قانون الموجبات والعقود طالما أنها لا تتعارض مع "النظام العام، والآداب العامة، والأحكام العامة"، معتبرةً أن "العقد الموحد ينتهك مبدأ حرية التعاقد، حيث ينبغي أن يكون لدى الطرفين القدرة على البت في شروط العقد، بما في ذلك ما إذا كان ينبغي إلزامهما بالحد الأدنى للأجور. ولم يأخذ حكم مجلس شورى الدولة في الاعتبار حقوق العاملات واختلال توازن القوى بين الطرفين".
ونوهت بأن "لبنان يعد واحدا من اثنين فقط من البلدان في الشرق الأوسط التي تستضيف أعدادا كبيرة من عاملات المنازل المهاجرات ولكن ليس لديه أي قانون يحكم علاقتهن مع صاحب العمل، ويمنحهن الحماية والحقوق الكافية. ولبنان ملزم، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بضمان حصول عاملات المنازل المهاجرات والعمال المهاجرين على إجراءات حماية مساوية لتلك التي يتمتع بها باقي العمال والعاملات بموجب القانون. فالعقد هو الوثيقة القانونية الوحيدة التي تملكها عاملات المنازل المهاجرات في لبنان. وكان لدى لبنان عقد موحد لعاملات المنازل المهاجرات منذ عام 2009، ولكن نسخة عام 2009 تفتقر إلى ضمانات مهمة ضد العمل القسري، ولا تفي بمعايير حقوق الإنسان والعمل الدولية، واعتمدت قبل اتفاقية العمال المنزليين لعام 2011 لمنظمة العمل الدولية".
ولفتت المنظمتان إلى أنه "يهدف العقد الموحد الجديد إلى تصحيح اختلال توازن القوى ومنح العاملات ضمانات العمل الرئيسية الممنوحة أصلا لباقي العمال والعاملات، مثل أسبوع العمل لمدة 48 ساعة، ويوم الراحة الأسبوعي، ودفع أجر للعمل الإضافي، ودفع أجر الإجازة المرضية، والإجازة السنوية، واعتماد الحد الأدنى الوطني للأجور، مع بعض الاستقطاعات المسموح بها للسكن والغذاء. والأهم من ذلك، أن العقد الجديد كان سيسمح للعاملات بإنهاء عقدهن دون موافقة صاحب العمل، مما يؤدي إلى تفكيك جانب مسيء رئيسي من نظام الكفالة".
وقالت الباحثة لبنان في منظمة "هيومن رايتس ووتش" آية مجذوب: "تعتبر عاملات المنازل المهاجرات من أكثر الفئات تهميشا في لبنان". "مع الانهيار الاقتصادي للبلاد، الذي تفاقم بسبب تداعيات وباء فيروس كوفيد-19، تحول وضعهن غير المستقر أصلا من سيء إلى أسوأ. ولكن بدلا من توفير المزيد من الحماية، وتفكيك النظام الذي يسمح باستغلال هؤلاء العاملات، بدا أن مجلس شورى الدولة يعطي الأولوية للمصالح التجارية الضيقة لمكاتب الاستقدام".
وأشارت إلى أنه "ليس من الواضح ما سبل الدفاع التي قدمتها وزارة العمل، أو ما إذا كانت تخطط للاستئناف، فقد امتنعت مسؤولة في وزارة العمل التعليق على هذا الأمر". ووجدت هيومن رايتس ووتش أن "القضاء اللبناني يتقاعس عن حماية عمالات المنازل أو محاسبة أرباب العمل عندما ينتهكون الحقوق الأساسية للعاملات. على البرلمان اللبناني تعديل قانون العمل على وجه السرعة ليشمل عاملات المنازل المهاجرات. وينبغي على السلطات اللبنانية أن تتخذ على وجه السرعة خطوات أخرى لتفكيك نظام الكفالة، بما في ذلك عن طريق ضمان عدم اعتماد العاملات المهاجرات على أرباب عملهن لوضعهن القانوني في البلاد".