علّ الخطيئة الأكبر التي اقترفها الرئيس الفرنسي إبمانويل ماكرون في تصريحاته المتوترة حول الأحداث الأخيرة في فرنسا هي تصريحه أن: "بلادنا تعرضت لهجوم من الإرهاب الإسلامي" وسواء أكانت هذه العبارة مقصودة أو ناجمة عن جهل أثرها وانعدام صحتها فهي لا شك خطيرة جداً وفي هذا التوقيت بالذات، ليس على المسلمين فقط وإنما على فرنسا وأوروبا اللتين تتشاطران الهوية المسلمة مع وجود عدد غير قليل من المواطنين المسلمين الذين أصبحوا فرنسيين وأوروبيين بفعل الهجرة والولادة أو تبني الإسلام ديناً لهم ولا أحد يستطيع إنكار ذلك عليهم، والسبب الثاني في خطورة ارتدادات هكذا تصريح هو أن رئيساً أوروبياً قد خلط بين إجرام يقوم به بعض المجرمين لأسبابهم المختلفة وبين جنسيتهم أو هويتهم الدينية، وإذا ما تمّ تعميم هذا الأمر على البقع الجغرافية التي يضرب فيها الإرهاب لانتهينا إلى وجود إرهاب فرنسي وألماني وهولندي وبلجيكي ومسيحي ويهودي وبوذي.. والقائمة تطول، ولذلك فإنه من المحظور أن تلصق تهمة الإرهاب بدين أو جنسية فقط لأن أحد مرتكبي الجرائم الإرهابية ينتمي إلى هذا الدين أو هذه الجنسية، إن الدين والجنسية براء مما يقوم به الإرهابيون. لقد ضرب الإرهاب يا سيد ماكرون الجمهورية العربية السورية كأبشع ما تكون به الضربات والعدوان على شعب وتاريخ وحضارة وهوية ومؤسسات ولكنّ أحداً في العالم لم يسمع جملة واحدة نطق بها أي سوري تتحدث عن إرهاب أوروبي أو مسيحي أو ما شابه ذلك لا سمح الله فنحن ندرك أن هؤلاء الإرهابيين شذاذ آفاق لا علاقة لهم بأي دين سماوي، وأخلاق الديانات السمحة براء منهم. الأكثر من ذلك أن عدداً لا بأس به من هؤلاء كانوا أوروبيين وعدداً منهم كانوا فرنسيين ويتكلمون الفرنسية ويمثلون بالجثث على الأرض السورية وهم يهللون للقتل بلغتهم الفرنسية ومع ذلك لم نسمع ولم يسمع العالم تصريحاً سورياً واحداً يتحدث عن إرهاب فرنسي أو إرهاب أوروبي رغم أن الأبحاث الموضوعية تُري أن عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين عاثوا فساداً في سورية قدموا من الدول الأوروبية عبر تركيا ويحملون جوازاتهم الأوروبية بما فيها الفرنسية، والكثير منهم كان مسلحاً برشاشات لا يستخدمها غير الجيش الفرنسي؛ أي أن الإرهابيين في غرب دمشق كانوا مسلحين من قبل الجيش الفرنسي مباشرة، ومازال ستمئة طفل من إنجاب هؤلاء عالقين في شرق سورية ولا تريد دولهم وعلى رأسها فرنسا استردادهم رغم نداءات الأمم المتحدة أن تتحمل هذه الدول مسؤوليتها تجاه رعاياها، ولا شك لدينا أنهم حظوا بتمويل وتسليح وتسهيلات من أجهزة المخابرات الفرنسية ومع ذلك فقد استهدفنا الإرهابيين أنفسهم في كلّ عمل وقول ولم نأت على ذكر دينهم أو جنسيتهم ونوصم أياً منهما بالإرهاب. الفرق بين موقفنا وموقف ماكرون هو أننا نؤمن أن العالم أسرة واحدة وأن الإرهاب لا دين ولا وطن له وأن الإجرام الذي مارسته تلك العصابات على سورية والسوريين وقبلهم على الليبيين والعراقيين يمكن أن ينتقل إلى أي مكان في العالم لأن الخطر الأساس كما أكد السيد الرئيس بشار الأسد منذ البداية هو الإيديولوجية الإرهابية وليس وجود الإرهابيين فقط، ولذلك لابدّ من التعاون العالمي لاجتثاث جذور هذه الإيديولوجية وإلا فسيبقى الإرهاب يفاجئ الأبرياء من أفغانستان إلى العراق وسورية وليبيا وفرنسا. ولكن أوروبا ومنها فرنسا الرسمية عبر مخابراتها السرية ساهمت بتغذية وتمويل وتسليح الإرهاب الذي ضرب سورية، أما تركيا فقد شكلت ولازالت تشكل ملاذاً آمناً للإرهابيين القادمين إلى سورية وسهلت لهم عبورهم وتموضعهم على الأرض السورية ولذلك أيضاً قال الرئيس بوتين "حين نحارب الإرهاب في سورية فنحن ندافع عن موسكو" وهذا صحيح ولكنه والجيش السوري لا يدافعان عن سورية وروسيا فقط ولكنهما يدافعان عن أمن العالم برمته في مواجهة هذه الآفة الخطيرة. المشكلة في الموقف الفرنسي خصوصاً والغربي عموماً هو أنه ما يزال يقسم العالم إلى "هم" و"نحن" وهنا يأتي تصريح الرئيس ماكرون ليبرهن على ذلك حين قال: "تعرضنا للهجوم بسبب قيم الحرية لدينا وعدم خضوعنا للإرهاب " متناسياً أن العالم كلّه يعرف أن المخابرات السرية الغربية والجيوش الاستعمارية القادمة من الغرب متورّطة ومنذ زمن الاستعمار القديم بالإرهاب والمجازر الوحشية. وما السبب برأيك يا سيد ماكرون بأن سورية تعرضت لهجمات إرهابية أقسى وأعتى مما تعرضتم له وعلى مدى عشر سنوات إذا كانت برأيك تفتقر إلى قيم الحرية التي تعتبرها حكراً عليك وعلى الغرب؟ إن حرية المعتقد والعيش المشترك الذي عرفت به سورية على مدى قرون كان الهدف الأساس لهذه الحرب الإرهابية الظالمة التي تعرض لها الشعب السوري، وإذا ما أردتم إصلاحاً حقيقياً وآمناً للعالم برمته فلابدّ أن تفكروا بطريقة مختلفة لا تنبئ عن تفكير فوقي يكاد يصل إلى حدود العنصرية ضد الشعوب والأديان الأخرى. لقد ضرب مئات الألوف من الإرهابيين الذين قدموا من أكثر من مائة دولة أجزاء مختلفة من سورية وساهموا في تدمير مؤسساتها ولكننا لم نتهم دين أحد ولا جنسية أحد منهم بوزر ما قامت به شرذمة من المضلّل بهم وشذاذ الآفاق الذين تبنوا هذه الإيديولوجية البشعة لأسباب لا علاقة لها بالدين أو بالإنسانية. كما أن هؤلاء الذين يدّعون الدفاع عن الإسلام من ورثة العبودية العثمانية هم أنفسهم الذين لعبوا دوراً أساسياً في استقدام إرهابيين من كلّ أصقاع الأرض ونظرياً من أتباع كلّ الديانات إلى سورية بلد الإسلام والمسيحية والعيش المشترك فكيف يستوي ادعاؤهم بالدفاع عن الإسلام والمسلمين مع تدمير بلد قدم للبشرية أنموذجاً للمحبة والتآخي بين أتباع الديانات السماوية؟ ثم ماذا عن الإرهاب الذي يضرب الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟ وماذا عن ذبح المسلمين وهم ساجدون في الحرم الإبراهيمي الشريف على يد المجرم باروخ غولدشتاين والذي أقام الاحتلال الإسرائيلي له نصباً تذكارياً؟ هل أسميتم ذلك الإرهاب إرهاباً يهودياً؟ فلماذا إذاً يتم تجريم الإسلام والمسلمين بسبب بعض المجرمين الذين لا يتورعون عن قتل المسلمين وقتل أتباع الديانات الأخرى لأنهم لا يعرفون الدين أو الإيمان؟ من أجل التخلص من شرورهم لابدّ أولاً من التخلص من الموقف التمييزي والذي يقسم العالم إلى أعلى وأدنى ويعتبر أن القيم التي يتمتع بها حكراً عليه ، وما رأيه إذا كانت القيم الحضارية المغروسة في هذه الأرض والمتوارثة على مدى أكثر من عشرة آلاف عام هي القيم المؤهلة لإنقاذ البشرية ليس من خطر الإرهاب فقط وإنما من خطر التمييز والعنصرية واللّذين يهددا بلدانكم من الداخل؛ فهل من مراجعة عاقلة ومسؤولة لهذا التخبط المفهوماتي والإعلامي الذي يصبّ الزيت على النار بدلاً من معالجة أسباب توتر مجتمعي وسياسي بحكمة واتزان ومسؤولية؟ وهل من تشريع على مستوى عالمي يحرّم على الجميع تناول الرموز الدينية والمقدّسات لأتباع كلّ الديانات التي يؤمن بها البشر. حينذاك فقط يمكن ان نعزل الإرهابيين ونقضي على شرورهم في كلّ مكان.