تتذكَّرُ الكنيسةُ في هذا اليوم جميع الموتى المؤمنين، وتُقام الصلوات والقداديس في الرعايا والمدافن، حيث تستريح أجساد الكثير من الموتى.
وتتأمل الكنيسة في الحياة الأبدية والعبور من هذا العالم الفاني والزائل إلى حيث لا وجع وألم، بل راحة أبديَّة تتجلَّى في مُعاينة وجه الله القدُّوس. ودرجَتِ العادة أن يحملَ المؤمنون الزهورَ والشموع ويذهبوا إلى المدافن للصلاة وزيارة أحبائهم الراقدين. فالشموعُ هي علامةٌ لنورِ المسيح، ومع هذا التذكار الذي يُعيد كلُّ واحدٍ منَّا إلى قراءةٍ ذاتية لحياتِه والتأمُّل بعلَّةِ وجودِه على هذه الأرض وبلحظةِ الرحيل في ما بعد... أسئلةٌ وجودية نعيد قراءَتها كل يوم وكل لحظة، وخاصة لدى فراق شخص عزيز على قلبنا... فالغوص في الكينونةِ الوجوديَّة والنِّهاية الحتميَّة يضعانِنا أمامَ جَمٍّ من الأفكار والتحديَّات والتساؤلات التي نُحاولُ تجنُّبها، ربَّما خوفًا منها أو ربَّما لأنَّنا لا نجدُ دومًا الجوابَ الشافي والذي يُريحُ قلوبَنا ويُهدِّئُ من رَوعِ مُصابِنا... وهنا نقفُ مُجدَّدًا أمامَ محدوديَّتِنا، ونتذكَّرُ أنَّنا من التُّرابِ أُخذنا، إلَّا أنَّ الإيمانَ الرَّاسخ في أعماقِنا يُعيدُنا إلى الحقيقةِ السَّاطعةِ كنورِ الشَّمس ألا وهي أنَّنا أبناءُ الله الضابط الكلّ، أبناءُ القيامة.
في تذكارهم نتذكَّر ذواتنا الضائعة في أمواج هذا العالم، في تذكارهم نتذكر كلام السيد المسيح: «كل ما فعلتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي فعلتموه»، في تذكارهم نتذكَّر أنَّهم هم السابقون ونحن اللاحقون، في تذكارهم نستعيد الثقة بأنَّنا أبناءُ الملكَوت وبأنَّ موطنَنا هو السماء، في تذكارهم نقف عند باب القبرِ الفارغ مع مريم ونسأل الملاك: «أين المعلِّم»؟ فيجيبنا لقد قام...
في تذكارهم نتذكَّر لحظاتِ اليأس ونمزُجها بالرّجاء والإيمان وعدم الاستسلام للخوف، في تذكارهم نتذكَّر كل الذين توفُّوا من جراء وباء كورونا، في تذكارهم نتذكَّر شهداء وطني الذين بذلوا ذواتهم على مذبح الوطن، في تذكارهم نتذكَّر ضحايا مرفأ بيروت، في تذكارهم نتذكَّرُ المسؤولين والمؤتمنين على الوطن الذين مات ضميرهم وضاع في بُحيرةِ الأنانية، في تذكارههم نعيد الذكرى لنذكرَهم لا بالدُّموع والحزن بل بالصلاة والتضرُّع والصَّبر والرَّجاء.
لتبقى هذه الذكرى في ذاكرتنا كي نصلِّي لمَن رحلوا عنَّا راجين من الله سبحان وتعالى اللقاء بهم في رحاب الملكوت.