ستتّضح خلال ساعات طبيعة الإدارة الأميركية: هل تزيد من إنكفائها إلى داخل الولايات المتحدة، في حال ثبّت الرئيس الأميركي نفسه على رأس البيت الأبيض مجدداً؟ هو ما سعى الى فرضه دونالد ترامب في ولايته الحالية، من خلال تركيزه على تقوية اقتصاد بلاده، قبل ان تداهمه تداعيات فايروس كورونا، وتحبط كل إنجازات إدارته الإقتصادية. بالمقابل، هل أن وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية سوف يعيد واشنطن الى سياسة الإنفلاش الدولي؟ تخطّط الدولة العميقة لإعادة دورها وسطوتها بعد فوز بايدن.
تستعد عواصم العالم للتعامل مع المتغيرات الأميركية الآتية. واذا كانت الصين ترصد مسار السياسة البيضاوية، بإعتبار أن فوز ترامب مجدّداً يُبقي بكين في مساحة الأزمة المفتوحة مع واشنطن، فإن الدول ترصد مسار الإنتخابات: هل تغير من سلوك الأميركيين في العالم؟.
توحي الإتصالات الإقليمية أن المنطقة قررت الدخول في عصر التكتلات، بمعزل عن رأي واشنطن. من هنا تتسارع حركة اللقاءات الإسلامية بين الدول غير العربية، في مشهد يوحي بأنّ ماليزيا وإيران وباكستان وغيرهم يخطّطون للدخول في منظومة إقتصادية قوية. لكن تلك الدول تعتبر أنّ فوز بايدن يساهم في ترسيخ تسويات جديدة، على نمط الإتفاق الذي عقده الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع طهران. قد يتوسّع مفهومه مع بايدن إلى حدود فرض تسوية تتخطّى حدود الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لذا، تتحضّر دول الإقليم الإسلامية غير العربية الى مرحلة تنظيم تكتل يتعاطى مع بايدن من موقع القوة الإقتصادية والعسكرية: تطرح تلك العواصم تأسيس عملة موحدة.
لكن ما يعرقل التوجّهات الإقليمية الجديدة هي النزعة التركيّة التي تسعى للسيطرة ومدّ النفوذ إلى خارج حدود الإقليم. وهنا تتراكم النقمة الأوروبية والعربية على أنقره، لكن من دون أيّ قدرة على لجم الطموح الرئاسي التركي. ويراهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خسارة ترامب في الإنتخابات الأميركية لاستكمال خطواته ضد الخليج، إنطلاقاً من سيناريو أن المرشح الديمقراطي لا يحبّذ أي دور خليجي في الإقليم، علما ان علاقات اردوغان وبايدن محكومة بالتوتر. لكن بمجرد عودة أدوار المؤسسة العميقة في الولايات المتحدة الأميركية في حال فاز بايدن، يعني أن التفاهم بين أنقره وواشنطن سيكون قائماً.
وحدها إسرائيل تعتبر نفسها غير معنية عملياً بفوز أي كان في انتخابات الولايات المتحدة، رغم ان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو يفضّل أن يعود ترامب رئيساً لإعتباراته الشخصية. ومن هنا توالت التوصيفات الإسرائيلية التي تحدثت عن تشابه ترامب ونتانياهو في أساليب عملهما. لا بل ذهبت الصحافة الإسرائيلية الى الحديث عن أوجه الشبه ايضاً بين جو بايدن وبني غانتس: "كلاهما من القرية ذاتها، قرية الوسط والوسطية". مما يؤكد ان تل أبيب لا تجد فرقاً بالنسبة اليها بين ترامب او بايدن. علماً أن اللوبي اليهودي اعتاد الإقتراع للديمقراطيين، رغم محاولات ترامب قلب الصورة الى حدود مغايرة بعد تقديمه "إنجازات" للإسرائيليين. لكن ترامب عجز عن تنفيذ أهم وعد: صفقة القرن. لن يعوض عنها أي تطبيع ولا تسويات مع العرب.
وعليه، لا بد من الانتظار. لن تتضح معالم مشاهد العالم الجديد قبل شهرين من نتائج الانتخابات الأميركية المرتقبة بعد ساعات.