عندما وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مطار فلوريدا، الاسبوع الماضي، كان يرقص على وقع الأغنية المشجعة للقرويين: "رجل شاب، لا داعي لأي شعور بالتوعك. رجل شاب، أقول–إنهض عن الأرض لأنك في مدينة جديدة ولا داعي لتكون حزيناً...". رقص ترامب قليلاً على هتافات الجمهور. كان يجزم أنّه سيرقص بعد أسبوع إحتفالاً بفوزه، لكن معظم الأميركيين كانوا يرون في الأداء الترامبي رقصة وداع. لا هو شاب، ولا منافسه جو بايدن ايضاً. لكن عند المرشح الديمقراطي تتوافر حكمة العمر غير الواضحة في أداء ترامب.
فلنعد قليلاً إلى الوراء، عندما ربح ترامب عام 2016، صحيح أنه فاز حينها على هيلاري كلينتون بفارق 77 صوتاً في المجمّع الانتخابي، ولكن في بعض الولايات كان الفوز بفارق بسيط جداً: فلوريدا، ويسكونسين، ميشيغن وبنسلفانيا، مثلا، تساوي معاً 75 صوتا انتخابيا، والفوز فيها تراوح بين أعشار في المئة و1.1 في المئة. أي تغيير طفيف كان سيمكّن كلينتون أن تكون الرئيسة. مما يؤكد أنّ وضع ترامب لم يكن حينها مريحاً، فكيف بعد أربع سنوات؟ خصوصاً أن فايروس كورونا غزا الإقتصاد الأميركي وضرب إنجازات كان سيتباهى بها ترامب في حملته الإنتخابية، لو بقيت.
لكن ما هو حاصل الآن، أنّ الرئيس الأميركي دفع ثمن الإخفاقات في التعاطي مع أزمة كورونا. لذا، كانت وضعية جو بايدن أفضل بأشواط مما كانت عليه كلينتون عام 2016، خصوصاً أنّ ولايات محسوبة على الجمهوريين صوّتت لبايدن. لكن أكثر ما أثار إستياء حملة ترامب هو تعاطي الناخبين الإسرائيليين مع الرئيس الأميركي، بعد ان كانت التوقعات الترامبية تصبّ في إطار جذب أصوات الإسرائيليين، بإعتبار أنه قدّم لتل أبيب ما لم يقدمه رئيس أميركي من قبله، خصوصاً لجهة فرض التسويات والتطبيع بين دول عربية وإسرائيل. لكن بمجرد رصد الاعلام العبري، يمكن الإنتباه إلى أن الإنتخابات الأميركية كانت مسألة هامشية عند الإسرائيليين. في وقت بدأت تل أبيب قبل أيام من موعد تلك الإنتخابات تستعد "لإمكانية أن يكون الرئيس التالي للولايات المتحدة هو جو بايدن، خيرا كان أم شرا، ويسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب وربما مجلس الشيوخ أيضا". اللافت، للمصادفة، ان هذه تمنيات الإيرانيين أيضاً.
تقوم المقاربة الإسرائيلية على قاعدة أن ايران وحلفاءها هم الاكثر تهديدا لمصالح تل أبيب، "من شأنها أن تكون في إدارة بايدن في مكان آخر مما كانت عليه مع ترامب: هل استطاعت الإدارة الحالية ضرب القوة الإيرانية؟ هل أنجزت معها تسويات؟ الجواب: لا في الحالتين. بينما يطالب الإسرائيليون بإدارة أميركية تتخذ موقفا واضحاً، نحو الحرب او نحو السلم. المهم الوصول الى نتيجة ما تنهي حالة الضياع والإرباك.
كما ان الإسرائيليين يريدون تكاملا أميركيا اوروبيا لم يجدوه مع ترامب، وهم يرون أن الدول الأوروبية "ستكون جزءاً معتبرا أكثر بكثير في اعتبارات السياسة الخارجية لبايدن، مما كانت لدى ترامب". وعليه سيكون موقف اوروبا وازناً بشأن التعاطي مع طهران.
لا يبدو ان الرهان الترامبي على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أفرز دعماً في الصناديق الانتخابية. لا بل إن من أهم اسباب توجه الإسرائيليين نحو دعم بايدن هو بسبب سخطهم على رئيس حكومتهم. بينما تبدو الحاجة الإسرائيلية الى رئيس أميركي يقيم تسويات واتفاقيات، ومعاهدات، سواء مع دول مهمة وبارزة كإيران، أو مع غيرها من قوى وعواصم.
لذا، سيكون صدى فوز بايدن واسعا في العالم شرقا وغرباً، لأن العواصم تحتاج إلى رئيس ثابت ومرن ودبلوماسي ومقتدر يحكم او يتحكّم بالمؤسسات. ومن هنا يأتي إنتظار الإسرائيليين لرئيس أميركي يعيد عقد صفقة مع الجمهورية الإسلامية: انه بايدن.