عندما وعدت حكومة حسان دياب وقبل أن تصبح حكومة تصريف أعمال بإنجاز التحقيقات المتعلقة بملف إنفجار المرفأ خلال خمسة أيام وبكشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين، هل قطعت هذا الوعد بناء على معطيات توافرت لديها أم كان ذلك بمثابة زلة لسان؟ هل وعدت بما وعدت به لتخفيف ردة فعل الشارع المحتقن بفعل الإنفجار الزلزال لا أكثر ولا أقل وهي على علم بأن إنهاء التحقيقات خلال أيام هو من سابع المستحيلات؟.
أياً يكن السبب الذي دفعها الى قول ما قالته ووعدت به، هو تفصيل بالنسبة الى الرأي العام اللبناني ولا سيما بالنسبة الى أهالي الضحايا والجرحى والمشردين والمتضررين، الأمر المهم الوحيد بالنسبة اليهم اليوم حتى لو تأخر تنفيذ الوعد، هو كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين الذين تسببوا من قريب او من بعيد بإنفجار نيترات الأمّونيوم المخزّن في العنبر رقم 12 داخل مرفأ بيروت. الأيام الخمسة التي حددتها حكومة دياب تحولت الى أسابيع لا بل الى أشهر وها نحن قد دخلنا في الشهر الرابع ولم يعرف أحد من اللبنانيين بعد ما الذي حصل في ذلك اليوم المشؤوم وقبله بسنوات، أي بين عامي 2013 تاريخ دخول باخرة روسوس الى لبنان وعام 2020 تاريخ إنفجار المرفأ. كل ما يعرفه اللبنانيون هو توقيف 25 شخصاً بين مدراء عامين حاليين وسابقين وضباط الأجهزة الأمنية في المرفأ إضافة الى عدد من العمال في لجنة المرفأ وفي شركة الصيانة التي قامت بتلحيم باب العنبر رقم 12. وكأن من لحّم الباب المذكور هو الذي ادخل باخرة النيترات الى لبنان وهو من حجزها وقرر تخزينها بهذه الطريقة غير الآمنة الى جانب المفرقعات والفتائل ومادة الميتينول السريعة الإشتعال. عملياً لم يتمّ الإدعاء بعد على أحد من هؤلاء ولم يتم توقيف أحدا منهم بعد، نعني هنا الوزراء والقضاة الذي كانوا على علم بالباخرة وأمروا بحجزها وتخزينها ما أدى الى وقوع الإنفجار بعد سنوات. وفي هذا السياق تقول مصادر قانونية متابعة للملف، "صحيح أن المحقق العدلي القاضي فادي صوان إستمع الى إفادة وزراء وقضاة معنيين بالملف لكنه فعلياً لم يتوسّع معهم بالتحقيق ولم يدّع عليهم ولم يستمع لهم كمدّعى عليهم ما يعني عملياً أنه لن يوقف أحداً منهم، وإذا لم يفتح المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات مطالعة فرعيّة تتوسع بالتحقيق مع الوزراء والقضاة سنكون امام سيناريو بقاء التحقيق والإتهام ضمن دائرة الموقوفين الـ25 أيّ الموظفين الصغار والمدراء العامين".
ما يقوله القضاة عند سؤالهم عن تحقيقات إنفجار المرفأ، هو أن القاضي صوان لا يزال ينتظر تقريري المحققين الفرنسيين والبريطانيين، لا سيما التقرير الفرنسي الذي يتضمّن التحاليل المخبرية للعيّنات المتّخذة من تربة المرفأ ومن المياه الواقعة تحت العنبر رقم 12 حيث دوّى الإنفجار، والتي ستكشف السبب، وإذا كان هناك عمل أمني مفتعل أم لا، وبعد تسلّمه التقريرين المذكورين سيبني على الشيء مقتضاه.
في نهاية المطاف، مهما تأخّر سيأتي اليوم الذي سيتسلّم فيه القضاء اللبناني ما تبقّى من تقارير المحققين الأجانب وذلك بعد تسلمه تقرير الـFBI. سيأتي هذا اليوم مهما تأخر وبعدها ستسقط حجة إنتظار التقارير وسيصدر القرار الظني وفيه لن يعود هناك من أمر مستور، إذا بقي الظنّ ضمن دائرة الموظفين الصغار ولم يشمل الوزراء والقضاة المسؤولين عن الإهمال والتقصير، سنكون أمام لفلفة جديدة للجريمة على الطريقة اللبنانية وسنكون امام نصف الحقيقة، أما إذا توسعت دائرة الإتهام وطالت من أعطى القرار وأهمل وقصّر، عندها سيشعر أهالي الضحايا أن شيئاً ما تغيّر في الذهنية السلطوية وأن دماء أبنائهم فعلت فعلها في ضمائر المسؤولين.