حصل ما كان يتم الحديث عنه منذ اسابيع وربما اشهر، واصدرت الخزانة الاميركية قرار عقوباتها على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ضمن قانون "ماغنتسكي". ادى هذا القرار الى انقسام الاطراف اللبنانيين بين من اعتبره عادلاً، ومن اعتبره ظالماً ومجرد حدث انتقامي، ولكن اللافت ان هذا القرار لم يأتِ يتيماً، بل اتبعه وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو بقرار آخر انزل فيه عقوبات "دبلوماسية" على باسيل أدّت الى منعه من دخول الولايات المتحدة الاميركية، وعدم تعاطيه مع أيّ برنامج تابع لوزارة الخارجية الاميركية. باسيل دافع عن نفسه في مؤتمر صحافي، وشرح ملابسات ما حصل معه، ولكن، لا يمكن التغاضي عن تبعات هذا القرار على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي مواضيع وملفات كثيرة. وفي انتظار ما ستسفر عنه قرارات المحاكم الاميركيّة التي قرر باسيل اللجوء اليها والتي قد تفضي الى خروجه من اللائحة العقابيّة، هناك نبرة سياسية مفادها ان انتخاب الديمقراطي جو بايدن لخلافة دونالد ترامب سيلقي بظلاله على هذه القضية ايضاً ضمن سلسلة قضايا ستتأثّر بهذا التغيير الذي شهدته الولايات المتحدة.
في لبنان، تنفّس معارضو باسيل الصعداء، وباتوا يعتبرون انهم يمسكون ممسكاً عليه لجهة انه بات على اللائحة السوداء الاميركية، وبالتالي لا يمكنه ممارسة النفوذ الذي كان يمارسه قبل العقوبات ولم يعد له حق المطالبة بمكاسب سياسية او حصص في المرحلة المقبلة. في المقابل، يرى آخرون ان هذه الحادثة من شأنها تعزيز موقع باسيل داخلياً، ليس على الصعيد الشخصي طبعاً، انما على صعيد غير مباشر عبر حصص ونفوذ للتيار الوطني الحر، وان ما خسره رئيس هذا التيار معنوياً سيعوّضه سياسياً. ووفق مصادر سياسية، فإن النقطة الاكثر اهمية داخلياً تكمن في انتخابات رئاسة الجمهورية التي يصرّ الكثيرون على اعتبارها محوراً اساسياً في العقوبات الاميركية، وانها اضرّت بحسابات باسيل لمرحلة ما بعد ولاية الرئيس ميشال عون، وفتحت الباب اكثر فأكثر امام المرشح الذي بات اوفر حظاً للرئاسة راهنًا اي قائد الجيش العماد جوزاف عون، وبدعم اميركي عبر الاعلان عن العقوبات. وتضيف المصادر في هذا السياق ان العماد عون هو الذي بات فعلياً متقدماً في السباق الرئاسي حالياً وليس اي رئيس حزب او تيار سياسي مسيحي آخر، ولو ان الوقت لا يزال مبكراً حتى تاريخ هذا الاستحقاق، حيث قد تتغير الظروف والمعطيات بشكل جذري في الاوقات الاخيرة، ولكنه بين الفرقاء المسيحيين على الساحة، الاكثر قدرة على استقطاب الاجماع حوله نظراً الى انتمائه الى المؤسسة العسكرية، والى عدم ممانعة القوى الاقليميّة والدوليّة التعاطي معه وفق هذا المبدأ.
اما على صعيد الحكومة، فتؤكد المصادر ان موضوع العقوبات لن يؤذي باسيل، وان الاتصال الذي جرى بين عون ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون اتى في هذا السياق، مع طمأنة الاخير الى ان المبادرة الفرنسية لا تهدف الى الغاء أحد أكان باسيل او غيره، وانها تعترف بكل المكوّنات وتستند الى الواقعية في مقاربتها للاوضاع اللبنانية من مختلف الزوايا.
وفي ما خص الصعيد الخارجي، فالكلام يأخذ منحى آخر، اذ تعتبر المصادر نفسها ان التغييرات المرتقبة بعد انتخاب بايدن من شأنها ان ترخي مرونة أكبر لدى الادارة الاميركية في التعاطي مع لبنان، بعد التعاطي مع ايران اذ تذكّر ان بايدن نفسه كان نائباً للرئيس الاميركي باراك اوباما الذي أبرم الاتفاق النووي مع طهران، كما نجح في ارساء نوع من التوازن في الخليج قبل ان يأخذه ترامب الى مواجهة تصاعدية خطرة. واذا نجح باسيل في مسعاه القضائي وتلاقى مع التوقعات الدبلوماسية والسياسية المرتقبة، فسينقذ نفسه من محنة خارجية واقعية، لانّه سيشكل احراجاً كبيراً لمن يريد التعامل معه مالياً واقتصادياً وسياسياً، اذ سيفكّر كل شخص مراراً وتكراراً قبل الاقدام على مثل هذه الخطوة لانه سيعرّض نفسه لاحتمال انضمامه الى لائحة العقوبات، وبالتالي التعرّض لخسارة معنويّة كبيرة. من هنا، يبدو الرهان على التغييرات الخارجية هو المنفذ الوحيد لخروج باسيل من ازمة وضعته فيها الادارة الاميركيّة الحاليّة لاسباب داخليّة محض، فهل سيربح الرهان؟!.