على الرغم من المواقف الأميركية المؤيّدة للمبادرة الفرنسية تجاه لبنان، عند طرحها، يمكن الجزم بأن واشنطن وجهت أكثر من طعنة لباريس في الفترة الماضية، عبر استخدام سلاح العقوبات ضد شخصيات لبنانية متحالفة مع "حزب الله"، الأمر الذي أدى إلى فرملة إندفاعتها بعد الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي.
خلال مرحلة تكليف السفير اللبناني في برلين مصطفى أديب، عمدت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على كل من الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، الأمر الذي أدى إلى تشدد "حزب الله" و"حركة أمل" في مطالبهما. أما العقوبات على رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، فجاءت لتصب الزيت على نار الخلافات القائمة على المستوى المحلي، في ظل تمسك رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بمواقفه.
وعلى الرغم من سعي معظم الأفرقاء المحليين إلى الفصل بين الإنتخابات الأميركية وملف تشكيل الحكومة، إلا أن الجميع كان في حالة إنتظار لمعرفة هوية سيد البيت الأبيض الجديد، نظراً لتداعيات ذلك على الساحتين اللبنانية والإقليمية، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، خصوصاً أن واشنطن ذهبت، في الأشهر الماضية، إلى الحد الأقصى من الضغوط الإقتصادية والسياسية.
من وجهة نظر هذه المصادر، غالبية القوى المؤيدة لخيار الذهاب إلى تسوية داخلية كانت تفضل المرشح الفائز جو بايدن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نظراً إلى أن إستمرار الأخير في منصبه كان سيعني الإستمرار في السياسات نفسها، لكن حتى الآن لا تزال تلك القوى غير قادرة على المبادرة عبر القيام بخطوات جدية، بسبب الحالة الضبابيّة التي تسيطر على المشهد العام.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، التحرّك المنتظر قد يكون من العاصمة الفرنسيّة، لا سيما أن الرئيس إيمانويل ماكرون كان قد حدّد مهلة 6 أسابيع، في مؤتمره الصحافي الذي جاء بعد إعتذار أديب عن تأليف الحكومة، الأمر الذي فُسر حينها على أساس أنه رغبة من باريس في إنتظار الإنتهاء من الإستحقاق الإنتخابي في الولايات المتحدة، وتعتبر أن فرص نجاحها اليوم قد تكون أكبر من السابق، لا سيما أن واشنطن منشغلة في المرحلة الفاصلة عن تسلم الإدارة الجديدة مهامها.
في هذا السياق، لا تنكر المصادر المتابعة تراجع الإهتمام الفرنسي بالملف اللبناني، في الفترة الماضية، نظراً إلى الإنشغال بالأوضاع الداخلية نتيجة التطورات الأمنية الداخلية، إلا أنها تؤكد أن ذلك لا يلغي أن باريس تعتبر أن بيروت تشكل أولوية بالنسبة لها، وتلفت إلى أنها لن تتردد في إعادة تفعيل مبادرتها في حال وجدت أن الظروف باتت أفضل، الأمر الذي يفسر الحديث عن إرسالها مبعوثاً إلى بيروت في الأيام المقبلة.
وتلفت هذه المصادر إلى أن فوز بايدن في الإنتخابات الرئاسية الأميركية قد يدفع ماكرون إلى التحرك سريعاً، نظراً إلى أن الرئيس الفائز في الولايات المتحدة يتبنى خيارات سياسيّة مختلفة في العلاقة مع حلفاء بلاده التقليديين، وبالتالي مرجح أن يذهب إلى التعاون مع الدول الأوروبية في الملفات المشتركة، من ضمنها الملف اللبناني حيث الحرص بالحفاظ على الإستقرار المحلي.
ما تقدم، بحسب المصادر نفسها، يتطلب من الأفرقاء المعنيين على الساحة المحلية المسارعة إلى ملاقاة الجهود الفرنسية، من خلال تقديم التسهيلات اللازمة بعيداً عن لعبة التشدد في المطالب، خصوصاً أن الأزمة المحلية، في جانب أساسي منها، أبعد من سياسات الإدارة الأميركية برئاسة ترامب، وتتطلب نهجاً جديداً في الحكم لا يعيد تكرار الأخطاء الماضية.