لم تصل القوى السياسية إلى إتفاق بشأن تركيبة الحكومة حتى الآن، رغم كلّ المحاولات التي يقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري. لكنّ التباين الجوهري موجود بين عون والحريري بشكل أساسي، بما يمنع من الوصول إلى ولادة الحكومة. لا يفرض التباين أن تتوقّف المحاولات: يُمكن إعتبار التجربة الحالية طبيعية، ومن ضمن الحدود الزمنية المُعتادة، إستناداً إلى محطّات التأليف الحكومي السابقة التي كانت تمتدّ فيها عملية التأليف الحكومي على مسافة أشهر طويلة تقارب السنة.
لكن الواقع اللبناني، سياسياً وإقتصادياً ومالياً، يفرض عدم تكرار التجارب السابقة حالياً. لا يمكن الإنتظار طويلاً. لم تعد حكومة تصريف الأعمال قادرة على تحمّل المزيد من المسؤولية بعد فشل تجربتها، عندما كانت أصيلة، في الإنقاذ.
أتى موفد الرئيس الفرنسي إلى لبنان ليؤكّد وقوف باريس إلى جانب حكومة أصيلة. صحيح أنّ مهمّته إقتصرت على الدفع والحث، لكنّه أوضح أن التزام بلاده تجاه لبنان لا يحتمل مزيداً من الإنتظار : إلتزام بدعم لبنان لإعمار ما هدّمه إنفجار مرفأ بيروت عبر حكومة أصيلة موثوق بها برئاسة الحريري. وفي حال عدم وجود تلك الحكومة، ستعمد فرنسا على مدّ لبنان بالدعم عبر الجمعيات والمنظمّات غير الحكومية. مما يعني فقدان الثقة كلّياً بالدولة اللبنانية، وإستكمال مسار الإنهيار المؤسساتي.
الخطير يبدو أشد في حال عدم تأليف حكومة، نتيجة تدهور الوضع المالي والاقتصادي: يُمكن ملاحظة تراجع أسعار الأسهم البنكية لمصارف لبنان. وصلت إلى حدّ يصعب فيه إنتشال القطاع المصرفي من الدَرك الذي وصل اليه. فإلى متى يُمكن منع الإفلاس في البلد؟ إنّها مخاوف حقيقية يردّدها العارفون بأمور المال والمصارف والإقتصاد، وهم يعولّون على ولادة حكومة جديدة تعيد ترميم الثقة بالبلد، وتجذب الأموال المفترضة عبر مؤتمرات مالية دولية داعمة تبدأ نهاية الشهر الجاري في باريس.
في حال تعطّل تأليف الحكومة، ستزداد أزمة البلد على كل صعيد: كيف يمكن تفادي السقوط؟ خصوصاً ان اموال اللبنانيين محتجزة في المصارف ضمن اجراءات تزداد صعوبة. لا يمكن بعدها ضمان تأمين سعر صرف الدولار على أساس ٣٩٠٠ ليرة، ولا سحب الكمّيات المسموح بها الآن شهرياً. هنا الأزمة التي تمس كل اللبنانيين من دون إستثناء. عدا عن أن سعر صرف الليرة أمام الدولار سيزداد سوءاً ايضاً في السوق السوداء التي تشكّل السوق الحقيقية لحركة الإقتصاد.
كل ذلك ليس تهويلاً بقدر ما هو سيناريو محتمل في حال لم يُقدم المسؤولون على بت أمر حكومة جديدة تبدأ بإجراءات فورية لتوقف الإنهيار قبل الوصول الى إفلاس سياسي واقتصادي ومالي وارد. ومن هنا تصبح المعادلة قائمة على اساس: ولادة حكومة جديدة يعني وقف الانهيار. وغياب حكومة أصيلة يعني الذهاب نحو الإفلاس.
الشعب ليس مسؤولا عن مسبّبات الأزمة، ولا هو يهتم لنوعية التباين ولا من يتحمّل مسؤولياته. يريد اللبنانيون أن يستعيدوا جزءاً من عافيتهم الإقتصادية. فلا قدرة على تحمّل المزيد من الوقت.