لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة القاها في قداس أحد بشارة زكريا إلى انه "نصلّي معًا إلى الله كي يشفي جميع المصابين بوباء الكورونا، ويحدّ من إنتشاره، بل كي يبيده، ويعيد إلى الكرة الأرضيّة حياتها الطبيعيّة، ويحدّ بالتالي من ازدياد أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل. ونصلّي أيضًا من أجل خلاص لبنان بمسّ ضمائر المسؤولين السياسيّين والنافذين وقلوبهم، لكي يسهّلوا بتجرّد وإخلاص للوطن تشكيل حكومة قادرة على إنهاضه من حالة البؤس الماليّ والإقتصاديّ والمعيشيّ والإجتماعيّ".
وأشار إلى انه "نعلم وبيقين أنّ يد الله القديرة الخفيّة هي التي تحمي لبنان من السقوط نهائيًّا في أيدي الّذين يتربّصون به شرًّا من الداخل ومن الخارج، لمصالح شخصيّة وفئويّة ودوليّة، وذلك بفضل صلاة المؤمنين وآلامهم وجوعهم وحرمانهم ودموعهم، وبفضل تشفّع أمّنا مريم العذراء، سيّدة لبنان، وقدّيسينا أبناء هذا الوطن، الّذين لن يتركوه فريسة الجشعين والذئاب. ولئن بدا الله صامتًا أو غائبًا، فإنّه يتدخّل على طريقته في الوقت المناسب وبحسب تدبيره. فالمطلوب أن نثابر كلّنا على الصلاة حتى تتجلّى إرادة الله، وعلى السلوك أمام الربّ بدون لوم محافظين على رسومه ووصاياه مثل زكريّا وإليصابات". وقال: كم نتمنّى لو يشارك المسؤولون السياسيّون عندنا في الحياة الليتورجيّة، ويَدَعوا الله يكلّم قلوبهم وضمائرهم وعقولهم. فلو فعلوا لـما أوصلوا البلاد إلى حالة البؤس والإنهيار على مستوى الشعب والمؤسسات".
وأضاف "أمام الإستهتار بصرخة الشعب الجائع وثورته، وأمام جراح بيروت المنكوبة من جرّاء إنفجار مرفئها في 4 آب الماضي، من دون أن تحرّك الدولة ساكنًا، وأمام إلحاح الدول الصديقة على تشكيل حكومة جديدة والشروع بالإصلاحات، مع الدعم الدوليّ الجاهز، ترانا مضطرّين إلى طرح أسئلة مصيريّة: هل هذا التمادي في تعطيل تشكيل الحكومة والإستهتار بمصالح الشعب والوطن جزء من مشروع إسقاط دولة "لبنان الكبير" لوضع اليد على مخلّفاتها؟". وشدد على انه "لا نستطيع أن نرى هدفًا آخر لهذا التعطيل المتمادي المرفق بإسقاط ممنهج للقدرة الماليّة والمصرفيّة، وبإفقار الشعب حتى جعله متسوّلًا، وبإرغام قواه الحيّة وخيرة شبابه المثقّف على الهجرة".
وسأل "ألا تريدون بعد اليوم، أيّها المعطّلون المتمادون من مختلف الأطراف ، دولة مدنيّة تفصل بين الدين والدولة، ودولة متعدّدة الثقافات والديانات، كما أرادها المؤسّس البطريرك الكبير المكرّم الياس الحويّك حين أعلن في مؤتمر السلام في Versailles سنة 1919: "في لبنان طائفة واحدة إسمها لبنان، والطوائف المتعدّدة فيه تشكّل نسيجه الإجتماعيّ؟ لا تريدون بعد مئة عام من حياة لبنان دولة ديمقراطيّة منفتحة على جميع دول الأرض، عُرفت بثقافتها أنّها مكان العيش معًا مسيحيّين ومسلمين بالتعاون المتوازن والإحترام المتبادل، ومكان التلاقي والحوار؟ لا تريدون بالتالي دولة حياديّة ذات سيادة كاملة تفرض هيبة القانون والعدالة في الداخل، وتدافع عن نفسها بقواها الذاتيّة بوجه أيّ إعتداء خارجيّ، وتلعب دور الوسيط من أجل الإستقرار والسلام وتعزيز حقوق الإنسان والشعوب في المنطقة؟ إذا كنتم لا تريدون كلّ ذلك، فإنّكم تستبيحون الدستور والميثاق وهويّة لبنان ورسالته في الأسرتين العربيّة والدوليّة. وهذه هي الهوّة بينكم وبين الشعب اللبناني الّذي هو سيّد الأرض لا أنتم، وهو مصدر كلّ سلطة، كما ينصّ الدستور في مقدّمته. إنّه يريد حكومة مستقلّة بكامل وزرائها لا بقسم منهم. هذا هو المخرج الوحيد لحلّ الأزمة العالقة".
وأكد ان "الكنيسة تؤمن مع المخلصين للبنان أنّ هذا الوطن هو مشروع عيش مشترك يُبنى كلّ يوم، ومشروع شراكة حضاريّة، لا شراكة عدديّة، ولذلك ترفض أيّ إصطفاف تقسيميّ، يفتّت الشراكة، ويحوّل لبنان إلى ساحة صراع بين مشروعي الأقليّات والأكثريّات في المنطقة".
من جهة أخرى، أشار إلى انه "شاهدنا في هذه الأيّام الأخيرة بتأثّر عميق إخواننا من الشعب الأرمنيّ في ناغورنو-كراباخ (أرتساخ) يغادرون بالدموع الأراضي التي خسروها، والكنائس والأديار، ومن بينها دير داديفانك الشهير الّذي يعود بناؤه إلى 800 عام، لكنّه تأسّس في الأعوام الأولى للمسيحيّة على يد القدّيس دادي الّذي يكرّم جثمانه فيه، وهو دير بكنائسه عزيز على قلوبهم. فودّعوه مقبّلين حجارته بالدموع الغزيرة. نودّ أن نعرب لهم من جديد عن قربنا منهم وتضامننا معهم في مشاعرهم. لكنّنا نقول لهم أن يحافظوا عليه وعلى إرثهم وتراثهم وممتلكاتهم في الأرض التي خسروها، باسم شرعة حقوق الإنسان والأخوّة الإنسانيّة ومبادئها التي أبرزتها "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة" التي وقّعها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيّب في أبوظبي بتاريخ 4 شباط 2019. فلا بدّ من أن ينتصر العيش معًا على التباعد والكراهيّة".