فجر قرارمفوض عام "الأونروا" فيليب لازاريني وبدون سابق إنذار أو مقدمات،بأنّ الوكالة مضطرّة لدفع نصف رواتب الموظفين في مناطق عملها الخمس بدءًا من شهر تشرين الثاني الجاري، بسبب العجز المالي الذي تعاني منه والبالغ نحو 130 مليون دولار. فجاء الغضب الفلسطيني،بعد سلسلة خطوات متدحرجة من تقليص الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية وصولا الى التقصير في ادارة أزمة "كورونا" في المخيمات.
قرار دفع نصف الرواتب للشهرالجاري وربما كانون الأول المقبل، والمُقدّر بنحو 70 مليون دولار، وصف بانه الأول من نوعه منذ أكثر من 70 عاما، ايّ منذ تأسيس الوكالة الدولية، ومؤشر سلبي على مدى استفحال العجز المالي الذي لاحقها منذ اربع سنوات، حين قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف الدعم المالي البالغ نحو ثلث موازنتها السنوية، أيّ 350 مليون دولار اميركي، وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يتطلّعون بأمل كبير الى إعادة ضخّ الاموال بعد فوز الرئيس المنتخب جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.
ويبلغ عدد موظفي "الاونروا" في الأقاليم الخمسة (الضفّة الغربية وغزّة، الأردن، سوريا ولبنان) نحو 28,000، من بينهم 3000 موظّف في لبنان، منهم 1200 في منطقة صيدا وحدها، وأكدتمصادر فلسطينيّة لـ"النشرة"، أن القرار لنينعكس سلباً فقط على موظّفي "الأونروا" وعائلاتهم سيما وانهم يتقاضون رواتبهم بالدولار الاميركي ما يساعدهمعلى مواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية والمعيشية اللبنانية الخانقة، وانما على سير عمل الوكالة برمّته لجهة وقف التوظيف اوالتعاقدوعدم تجديدالعقود، ناهيك عن التهديد الجدّي بوقف الخدمات كافّة وفي وقت قاتل، في ظل تفشّي جائحة "كورونا" في أوساط اللاجئين وداخل المخيمات، وكأنّها بداية لنهاية عمل الوكالة التي أنشئت لإغاثة اللاجئين في أماكن تواجدهم ورعايتهم وتشغيلهم حتى يصحّ القول "وكالة الغوث" تستغيث"،في حال لم تستجب الدول المانحة لنداء الاستغاثة العاجل الذي اطلقته "الاونروا" منذ اسبوع فانّ الكارثة واقعة لا محالة.
وتستغرب المصادر، كيف ان هذه الوكالة الدولية مازالت منذ 70 عاما تعمتد بشكل رئيسي علىالمساعدات المالية (التبرعات) دون ان تخصّص لها موزانة ثابتة في الامم المتحدة التابعة لها والتي ربطت حكما وقف عملها بتطبيق القرار الدولي 194 الذي ينص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم والتعويض المادي عن سنوات اللجوء والتشريد وحياة الفقر والبؤس التي عاشوها على أن الاغرب هو تعهد العديد من المفوضين العامين الذين تعاقبوا على رئاستها بحل المشكلة المالية وبشكل دائم عبر تخصيص موزانة ثابتةلها دون ان يتمكنوا من الايفاء بوعودهم ولاسباب سياسية ووقوف "اسرائيل" وراء ممارسة ضغوط دولية لمنعه.
رسالة وتحذير
في قراره الى الموظّفين، قال لازاريني "بأسى شديد... لا يوجد لدى "الأونروا" موارد مالية كافية حتى اللحظة، واذا لم يتمّ التعهّد بتمويل اضافي خلال الأسابيع القادمة، فإن "الأونروا" ستكون مضطرّة لتأجيل دفع جزء من الرواتب المستحقّة لجميع الموظّفين في هذا الشهر".ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ التحركات الاحتجاجية التي نظمها اتحاد العاملين في الاونروا-لبنانرفضا لدفع جزء من راتب شهر تشرين الثاني الحالي او تجميد أو شطب أي أحد من الوظائف، ومطالبة إدارة الوكالة بالتراجع عن قراراتها الأخيرة.
ويقول رئيس الاتحاد الدكتور عبد الحكيم شناعة "لقد صدمنا من قرارات الإدارة التعسفية خصوصاً تجميد التوظيف وتأجيل رواتب الموظفين"، مؤكداً أن "هذا تطور خطير يؤدي إلى تقليص الخدمات، ما يدلّ على فشل إداري ذات بعد سياسي خطير يستهدف ويؤثر على عمل "الأونروا" وخدماتها"، مشددا أن "راتب الموظف حقٌ مقدس يجب عدم التلاعب به"، مطالباً بجعل ميزانية الوكالة جزءاً من الميزانية العامة للأمم المتحدة حتى تؤدي مهامها كاملة".
ويؤكد عضو اللجنة القطاعية لاتحاد المعلّمين في لبنان فتح شريف، أن التقليصات التي تقوم بها الوكالة المذكورة ذات بعد سياسي وليس مالي، وتمثل "تهديداً حقيقياً لها"، مطالبا المفوض العام لازاريني، بالتنحّي عن مهامه فوراً، مشدّداً أن المعلّمين سيواجهون القرارات بكلّ قوّة حتى انتزاع كامل حقوق الشعب الفلسطيني.
تأسيس وسابقة
وفي اعقاب نكبة فلسطين العام 1948، قد تأسست الأونروا بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين. وبدأت عملياتها في الأول من شهر أيار عام 1950 وتشتمل خدماتها على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي وفي غياب حل لمسألة اللاجئين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عمل الأونروا لغاية 30 حزيران 2023.
ويعتبر الباحث الفلسطيني علي هويدي، أنّ القرار سابقة خطيرة في عمل الوكالة وهو مرفوض جملة وتفصيلاً، إذ لم تتّخذ قراراً مشابهاً منذ 70 سنة بالرغم من أنّها قد واجهت أزمات ماليّة عاصفة، أبرزها في العام 2018 حين وصلت الى 445 مليون دولار"، مضيفاً: "عملياً، سينعكس بشكل مباشر على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والنفسية للموظّفين في ظلّ "كورونا" والغلاء الفاحش، والتهديد بالأمان الوظيفي، مُعرباً عن "مخاوف من طرح قضايا لها علاقة بالمقايضة، بمعنى دفع الراتب كاملاً مقابل التراجع في تقديم الخدمات أو التقليص منها وهو مرفوض أيضاً".