بعد أسبوعيْن على "الثلاثاء الكبير" الذي طبع الانتخابات الرئاسية الأميركيّة، لا تزال الضبابيّة تحيط بـ"الانتقال السلميّ السَّلِس" للسلطة، بين الإدارة الحاليّة ممثَّلةً بالرئيس دونالد ترامب، والإدارة المقبلة ممثَّلةً بالرئيس المُنتخَب جو بايدن، في ضوء إصرار الأول على أنّه "الفائز"، مهما قيل ويُقال وسيُقال.
وبانتظار اتّضاح الصورة أكثر في القادم من الأيام، بدأت بعض الأوساط السياسيّة بتداول "سيناريوهات" أكثر غموضاً حول الشهريْن الأخيريْن من ولاية ترامب، مع "تكهّناتٍ" بأنّ الرجل الذي عُرِف بـ"فرادته" الأقرب إلى "الجنون"، لن يغادر البيت الأبيض بيُسْرٍ وسهولة، بل سيترك "بصماته" قبل الخروج.
وفي هذا السياق، يبرز الحديث عن "شهريْن مجنونيْن" بانتظار المنطقة، وسط "تسريباتٍ" عن عزم الإدارة الأميركية على شنّ "ضربةٍ ما" على المنطقة، وتحديداً على إيران، وسط "مخاوف" من إمكان أن تجرّ مثل هذه الخطوة الإقليم الملتهب أصلاً، إلى "الاشتعال"، وهو ما بدأ الكثير من المراقبين بالتحذير منه علناً.
ولأنّ لبنان اعتاد أن يكون له "في كلّ عرس قرص"، ثمّة من بدأ يسأل عن مدى "جاهزيّته" لمثل هذا "السيناريو"، الذي قد لا يكون بمنأى عنه في حال حصوله، فيما لا يزال عاجزاً عن تشكيل حكومةٍ تكون قادرةً، ولو بالحدّ الأدنى، على "تحصينه" في مواجهة أيّ تهديداتٍ، لا يعرف أحد كيف يمكن أن تنتهي...
غموضٌ وأكثر...
لم تنتهِ ذيول الانتخابات الأميركية بعد. صحيحٌ أنّ نتائجها، وإن لم تُعلَن رسميّاً بعد، باتت بحكم "المُسلَّم بها"، حتى أنّ قادة العالم لم يتردّدوا في تهنئة "الرئيس المُنتخَب" جو بايدن، وبدء التحضيرات للتعامل مع إدارته، إلا أنّ الرئيس دونالد ترامب لا يبدو في وارد "الاستسلام"، هو الذي جدّد قبل ساعات قليلة إعلان "فوزه" في الانتخابات، على حدّ قوله.
وفي حين تتعدّد القراءات لمواقف ترامب، الذي ظنّ البعض في عطلة نهاية الأسبوع أنّه بدأ مسار "الاعتراف بالهزيمة"، قبل أن يعود إلى سياسة "التحدّي"، التي كان وزير خارجيّته مايك بومبيو أكثر من واضح على خطّها، حين تحدّث عن "انتقالٍ سَلِس" للسلطة، لكن من ترامب إلى ترامب نفسه، ثمّة من يعتقد أنّ "الغموض" المحيط بنتيجة الانتخابات، بانتظار "المعارك" القانونية المرتقبة، بدأ ينسحب على "السياسات" الأميركية، ولا سيّما تجاه المنطقة.
ولعلّ ما أثير في الأيام القليلة الماضية عن "نوايا" لترامب بتوجيه "ضربة" للمنطقة، ولو من باب "فش الخلق"، لم ينطلق من عبث أو فراغ، علماً أنّ هناك من يرى في "التغييرات" المفاجئة في وزارة الدفاع قبيل الشهرين الأخيرين من ولاية الرئيس الأميركي الحالي، مؤشراً واضحاً على "التصعيد" الذي يمضي باتجاهه، والذي قد لا تكون "إقالة" وزير دفاعه مارك إسبر سوى أول "غيثه"، باعتبار أنّ "التباين" في وجهات النظر بين الرجلين تجاه العديد من الملفات ليس مستجدّاً، إلا أنّ هناك ما "استوجب" إقالته اليوم، وفي "الوقت الضائع" بين الولايتين.
وانطلاقاً من هذه الوقائع، معطوفةً على التحليلات والتكهّنات التي أخذت مداها في اليومين الماضييْن، يبدو أنّ "حبس الأنفاس" سيستمرّ حتى اليوم الأخير من ولاية ترامب، علماً أنّ الكثير من المراقبين يجزمون بأنّ "سيّد البيت الأبيض" لا يمكن أن يُخلي الساحة بهدوء، حتى لو أقرّ بالهزيمة، وهو خيارٌ لا يزال مُستبعَداً، وبالتالي فإنّ إقدامه على توجيه ضربةٍ ما في ربع الساعة الأخير قد يصبح، بناءً على هذه المعطيات، الأمر البديهيّ والطبيعيّ والمنطقيّ، بل تحصيلاً حاصلاً، وإن بقيت مروحة خياراته مفتوحة على كلّ الاحتمالات.
كيف يتحضّر لبنان؟
إلى لبنان، وصلت "أصداء" المعلومات عن ضربةٍ أميركيّةٍ محتمَلة للمنطقة، حتى أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله خصّص لها حيّزاً واسعاً من كلمته الأخيرة، حين أعرب عن سروره و"شماتته" بخسارة ترامب للانتخابات، لكنّه دعا في الوقت نفسه إلى اليقظة والتنبّه لما يمكن أن يقدم عليه قبل انتهاء ولايته، في "تقاطعٍ" مع كلّ ما سبق من مُعطياتٍ مثيرة للريبة، و"النقزة" بشكلٍ أو بآخر.
ومع "الأصداء"، كثُرت علامات الاستفهام الموازية، فماذا لو فعلها ترامب فعلاً؟ كيف سيتصرّف لبنان بموازاة أيّ ضربةٍ ممكنة؟هل سيُترَك له الخيار أصلاً للوقوف على "الحياد" مثلاً، أم أنّه سيكون جزءاً من "المعركة"، شاء من شاء وأبى من أبى؟ وماذا لو صحّت المعلومات المتداولة عن أنّ "حزب الله" في أعلى درجات "التأهّب" لمواجهة أيّ ضربةٍ لإيران، بصرف النظر عن شكلها وحجمها؟.
وبمُعزَلٍ عن مدى دقّة هذه المُعطيات، التي كثيراً ما تواكب أيّ حدثٍ أمنيّ في المنطقة منذ أشهر، انطلاقاً من العلاقة "العضوية" القائمة بين "حزب الله" وإيران، والتي لا ينكرها قادة "الحزب" أصلاً، فإنّ السؤال الأكبر الذي يُفترض أن يُطرَح يبقى حول مدى "جاهزية" الدولة اللبنانية ككلّ، وليس "حزب الله" فقط، لمواجهة أيّ "سيناريو" يمكن أن يحصل، بعيداً عن "ورديّة" النأي بالنفس الذي يتمسّك به البعض، وقد ثبت "زيفه" في الكثير من المحطّات.
الأكيد أنّ "لا تأهّب ولا من يحزنون" على مستوى الدولة اللبنانية، العاجزة عن "تحصين" نفسها بحكومة "الحدّ الأدنى" إن جاز التعبير، والتي ينهمك ممثلوها بتغليب "تناتش الحصص والحقائب" على كلّ ما عداه، بدليل "الجمود" المستمرّ بالسيطرة على الملفّ الحكوميّ، على رغم كلّ "المصائب" التي يتخبّط بها اللبنانيون منذ أشهرٍ طويلة، والتي لن تكون أيّ ضربةٍ أميركيّة سوى "مادة مضافة" على خطّها، قد لا تُعطى "الأولوية" في حسابات المسؤولين أصلاً...
"جنون" طيلة العام!
لا شيء "يهزّ" الساسة اللبنانيّين. "انتفاضة" السابع عشر من تشرين مرّت كأنّها لم تكن، وذكراها السنويّة أبت أن تأتي، إلا مع "تبخّر" ما وُصِف بأنّه إنجازها شبه الوحيد، المتمثّل بـ"إسقاط" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، الذي عاد "مكلَّفاً"، من دون أيّ تغييرٍ "نوعيّ" في الأداء، أو طريقة التشكيل.
ومثلها، مرّت "مصائب" اللبنانيّين التي تبعت "الانتفاضة"، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً. "ودائعهم" في المصارف أصبحت "في خبر كان"، ولا يمرّ يوم من دون أن يحمل معه "إبداعاً" جديداً على خطّ "تبديدها"، فيما الليرة تواصل "انهيارها"، مع "تحليق" سعر الصرف عالياً، تماماً كالبطالة الآخذة في الارتفاع، بخلاف رواتب "الصامدين" في أعمالهم، والتي باتت "منعدمة" القيمة، مقارنةً بتضخّم الأسعار الذي لا يعرف حدوداً.
وحتى تكتمل "الصورة"، جاء انفجار الرابع من آب المشؤوم، وغير المسبوق لا شكلاً ولا مضموناً، والذي "فضح" إهمالاً وإجراماً يكاد يرقى لمستوى "جريمة الحرب"، لكنّه لم يفعل شيئاً. لم يهتزّ الساسة أيضاً. ذرفوا بعض الدموع، قبل أن يعودوا إلى "صراطهم المستقيم"، وفق تصنيفهم هم،والمتمثّل بالمحاصصة أولاً وأخيراً.
الحديث عن ضربةٍ أميركيّة لن يغيّر في الواقع شيئاً، حتى لو كانت هذه الضربة تستهدف لبنان مباشرةً. بكلّ بساطة، لا شيء يعلو فوق "حصّة" هذا الزعيم وذاك. وحتى الاتفاق "الكامل"، لا حكومة ولا من يحزنون، ولا تنازلات تحت الضغط، ولو أخذ هذا الضغط صفة "الجنون"، التي قد ترافق الشهرين المقبلين إقليمياً، لكنّها باتت من "ثوابت" لبنان طيلة العام!.