لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب لتقديم إستقالته، بعد أن كان الأخير قد عمد إلى تبني الدعوة إلى الإنتخابات النيابية المبكرة، الأمر الذي دفع الأول لجلسة نيابية لمساءلة الحكومة، في ملف الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي.
رئيس المجلس النيابي كان من أبرز الراغبين في عودة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى السراي الحكومي، ولعب دوراً أساسياً في إقناع العديد من الكتل النيابية، التي تنتمي إلى قوى الثامن من آذار، في تسميته في الإستشارات النيابية الملزمة، بينما "حزب الله" كان من المتحمسين لهذا الخيار، رغم عدم تسمية كتلة "الوفاء للمقاومة" الحريري، فالحزب يعتبر أن وجوده على رأس الحكومة يساهم في الحد من التوتر المذهبي السني الشيعي.
بعد الإنتقال إلى مرحلة التأليف، يبدو أن "الثنائي الشيعي"، أي "حزب الله" و"حركة أمل"، قررا الإبتعاد عن الواجهة الإعلامية والسياسية، بحسب ما ترى مصادر سياسية متابعة عبر "النشرة"، حيث تغيب المبادرات التي من الممكن أن يقوم بها أي منهما لتسهيل الولادة الحكومية، على عكس ما كان عليه الأمر في الفترات الماضية، الأمر الذي تطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً أن هذا الفريق كان يعلن دائماً عدم رغبته بالذهاب إلى فترة طويلة من الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية.
في الوقت الراهن، ينحصر الحديث عن العراقيل بالخلاف بين رئيس الحكومة المكلّف ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل حول وحدة المعايير المعتمدة في تسمية الوزراء، الأمر الذي يقود إلى مسألة تسمية الوزراء المسيحيين، حيث يريد الحريري أن يقوم بذلك متجاهلاً دور كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والكتل النيابية المسيحية الأكبر، بينما هو سلّم بحق "حزب الله" و"حركة أمل" في تسمية الوزراء الشيعة، وحق رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط في تسمية الوزراء الدروز.
في المقابل، تؤكّد هذه المصادر أن من أبرز العراقيل التي يتم تجاهلها أو عدم التركيز عليها هو "الفيتو" الأميركي على تمثيل الحزب في الحكومة العتيدة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لكنها تلفت إلى أنّ رئيس الحكومة المكلف، على ما يبدو، يتجنب الإشارة إلى هذا الأمر، حيث يُفضل حصر المسألة بالتمثيل المسيحي، نظراً إلى أن القدرة على الإستثمار في الخلاف أكبر.
من حيث المبدأ، عقدة واحدة كافية لمنع تشكيل الحكومة المقبلة، سواء كانت بالتمثيل المسيحي أو تمثيل "حزب الله"، فالتجارب خلال عمليات تأليف الحكومات الماضية تؤكد ذلك، فكيف هو الحال مع تجمع عدد من العقد حيث يعجز رئيس الحكومة المكلّف عن معالجتها أو لا يملك القرار بذلك؟.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، "الثنائي الشيعي" يدرك صعوبة تأليف الحكومة في ظل الظروف الراهنة، لكنه يفضل البقاء خارج دائرة السجالات القائمة بإنتظار تبدّلها، مع التمسك بالوعود التي كان قد قطعها له رئيس الحكومة المكلف، بالرغم من المعلومات حيال تراجعه عنها، وبالتالي هو سيعود إلى تأكيد موقفه عندما يتطلب الأمر ذلك، إلا أنه في المقابل، خصوصاً "حزب الله"، لن يسمح بتجاهل مطالب "التيار الوطني الحر"، لا سيما بعد العقوبات الأميركية على باسيل.
في المحصّلة، هناك قناعة لدى أغلب القوى المعنيّة بعملية التأليف بأنّ العقدة الأساس هي في مكان آخر مختلف عن الصراع المحلي، حيث الرغبة بإنتظار التحولات القائمة على المستويين الدولي والإقليمي، سواء من رئيس الحكومة المكلف أو "الثنائي الشيعي"، أما الخلافات التي تظهر بين الحين والآخر، كالعقدة الدرزية في الأسابيع الماضية، ليست إلا مادة لتبرير التأخير القائم.