يقف الثنائي الشيعي على ضفة النهر ، منتظرا الحكومة او جثتها ، الحال سيان، بعد ان امعن الرئيس المكلف سعد الحريري في نسف كل المبادرات والوساطات لتقريب المسافات مع بعبدا وتشكيل الحكومة ... وعلى قاعدة ان الضرب في الميت حرام ، لم يعد يستسيغ الثنائي التعليق على الملف الحكومي»ما علينا قد قدمناه واكثر وانتهينا».
لا يقدم الثنائي اية اجوبة شافية حول الحكومة او مصيرها او طبيعة المشاورات بين عون والحريري، اقصى ما يمكن سماعه من اكبر مسؤول الى اصغر مسؤول في الثنائي : نحن بانتظار انتهاء المفاوضات والمشاورات بين الرجلين ليبنى على الشيء مقتضاه «الملف الحكومي عالق هناك» ، وللامانة نكتفي بالقول «لا امل بقرب تشكيل الحكومة».
ربما ما لا يريد الثنائي قوله بشكل مباشر ، يهمس به في الكواليس ، ومفاده ان الحريري لم يعد باستطاعته تشكيل اية حكومة ، بعد ان اكدت معلومات موثوقة ان اميركا والعرب سحبوا التاييد الذي اعطوه له للعودة مجددا الى السراي الحكومي وباتوا يبحثون عن رجل اخر لهذه المهمة.
وبالتالي، لم يعد امام الحريري من مجال للمناورة بعد ان أُبلغ الفرنسيين رسميا عن هذا التوجه الاميركي المستجد ، بالاضافة الى توافر معلومات عن الحاح بعض الاطراف الداخلية والعربية على ترامب وادارته لالغاء الحريري سياسيا من خلال فرض عقوبات عليه.
طبعا ، هذا التصعيد لازاحة الحريري عن مشهد التكليف لا يعني قدرة الاميركي او غيره على فرض اي بديل او السعي للبحث عن بديل، بقدر ما هو اقحام لبنان في قلب الفترة الانتقالية بين نهاية ولاية الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب وتسلم الرئيس المنتخب جو بايدن ، بما تعنيه من اعادة ترتيب وخلط للاوراق في المنطقة ، وهنا تبرز تحذيرات دول اوروبية لجهات لبنانية رسمية من امكانية شن اسرائيل عدوان واسع على لبنان وسوريا في الاسابيع المقبلة ، بموازاة تكثيف الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل من خلال اعلان مصرف لبنان رسميا عن رفع الدعم عن السلع الاساسية كالادوية والمحروقات والقمح والسلة الغذائية.
قد لا يستوعب البعض ان الملف الحكومي خرج نهائيا من الدائرة اللبنانية والفرنسية وبات خاضعا
بشكل نهائي للعبة الاقليمية ، لا سيما وان المحاولة الذي جاء بها مبعوث الفرنسي باتريك دوريل الى بيروت كانت بمثابة الفرصة الاخيرة ... وفي تفاصيلها فان الفرنسيين طرحوا ما يشبه مبادرة انقاذ قوامها عدم عرقلة الحريري لمسالة تسمية عون لوزرائه في الحكومة مقابل تساهل عون في الوزارات التي يطلبها وفي تسمية ممثليه بالتشاور والتفاهم مع الحريري، على ان يتم تشكيل الحكومة خلال ٤٨ ساعة على الاكثر.
كان التوجه الفرنسي ان يرمي الحريري حكومته المحصنة باتفاق قصر الصنوبر في وجه الاميركي في فترة الايام القليلة المتبقية من قبة «الباط الاميركية» ، ولكن استمرار الحريري على تعنته في مقاربة الملف الحكومي بموضوعية وواقعية اوقعه في المحظور ، وهنا ينقل عن مصادر موثوقة في الثنائي الشيعي ان الحريري وجهت اليه نصائح كثيرة بعدم تضييع الوقت والاستفادة من الفرصة الفرنسية والاقليمية المتاحة قبل ان يقع «الفاس بالراس» كما يقال، ولكنه استمر بالمماطلة مراهنا على ان العقوبات على باسيل قد تغير في توجهات رئيس الجمهورية ومطالبه وتغير قواعد اللعبة.
ولكن للاسف ، خرجت الان الامور من ايدي الجميع بعد ان اعاد الاميركي احياء مطلبه بعدم تمثيل حزب الله في الحكومة ، والترجمة العملية لهذا المطلب تعني افشال الحريري وتقييد يديه ، اذ ان اي رئيس مكلف سواء الحريري او غيره لا يستطيع تشكيل حكومة من دون الحزب.
وامام هذا الواقع الداخلي والخارجي المازوم ، تؤكد المصادر ان الحريري لم يعد يملك ترف اهدار الوقت ، وعليه المسارعة الى التفاهم مع عون و تشكيل حكومة وفقا للصيغة والالية التي اتفق عليها عند تكليفه ، لا سيما وان الفرنسيين ما زالوا مصرين على انجاح مبادرتهم رغم التصعيد الاميركي المستجد.