هل استحق لبنان استقلاله؟ وهل كان اللبنانيون أهلا لهذا الاستقلال؟ وإذا لم يكن صحيحا أن استقلالنا قدم لنا على صحن من فضة في لحظة التباس دولي‐اقليمي، واشتباك مصالح المحاور الكبرى في العالم، فإن الاصح أن إرادة اللبنانيين في نيله كانت واضحة، وتجلت وحدتهم في التحركات المنادية به. لكن اللبنانيين فشلوا في إنتاج دولة مؤسسات قادرة على توجيههم نحو الملاذات التي تساعد لبنان على تدعيم سلمه وتوطيد دعائم استقراره عند بروز الاستحقاقات الخارجية، بكل ما تستودع من عوامل ضغط وتفكيك، وهذا ما بدا جليا مع أحداث ١٩٥٨ بُعيد إعلان الجمهورية العربية المتحدة، و١٩٦٩ و١٩٧٣ في الصدام بين الجيش اللبناني والفلسطينيين وما اسفر عنه من تفاهم هشّ تمثل باتفاق القاهرة، ومن ثم باتفاق ملكارت. وصولا إلى حرب السنتين وتفرعاتها، وما خلفته من مآس وفواجع، واتفاقات سياسية وأمنية، توجت باتفاق الطائف الذي جاء في أعقاب حربي "التحرير" و"الجيش والقوات".
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن اللبنانيين لم يتعظوا، ولم يعرفوا كيف ينظمون خلافاتهم، ويوقفون العبث بمسلماتهم الوطنية، فغامروا بالسلم الاهلي، ماضين في مكاسرة بعضهم بعضا، والتوغل في سياسة النكاية على قاعدة: "نكاية بجاري، أحرق شروالي".
ليعلم الساسة، والقادة، ورجال المال والاعمال، وأصحاب المهن الحرة، والموظفون وسائر المواطنين أن لبنان أكبر منا جميعا، وهو الابقى. وطن لا ينحني، ولا يسقط، ولا يرفع الراية البيضاء تسليما. انه وطن يقاوم جالديه وصالبيه الذين يقترعون على ثيابه، ولا بد من قيامة آتية يصوغ مفرداتها جيل طالع من رحم المأساة، يعرف معنى الثورة الحقيقية، ثورة القرار الحازم ببناء دولة تليق بتاريخها المشرف لا الصفحات الكالحة منه. لا ثورة الحناجر الولاّدة للحساسيات. ثورة بانية ترفع لبنان إلى عاليات الذرى، وتعطي لمواهبه وطاقاته حقها في رسم مستقبله على إيقاع ابداعاتها، وتئد العفن المتوارث من مرحلتي الاستعمار والانتداب.
في الذكرى السابعة والسبعين لاستقلال لبنان، نؤكد انتصارنا لسيادته الوطنية، وحقه في ارضه، ومياهه، وحق أبنائه في الافادة من ثرواته، وتوقه إلى التخلص من الفساد والفاسدين والمفسدين، الذين يتمترسون خلف حواجز طائفية ومذهبية مزعومة.
ان لبنان لجميع أبنائه، يفيئون إلى ظلاله، ويحتضنهم بالعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والاحترام المتبادل لخصوصياتهم وتنوعهم، من أجل أن يكون فعلا وطن الرسالة الإنسانية. هو الوطن المرتجى.
هذا هو الاستقلال الذي إليه نسعى، لنستحق دولة، لا شبه دولة.
ويبقى لبنان في القلب.