لا يوجد مستجدّات إقليمية دسمة تحسم مسار المنطقة: تسوية أم حرب؟ يبدو أن كل عواصم الإقليم تعدّ الأيام المتبقية لولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. منها ما يترقّب قراراً حربياً أميركياً يتّخذه سيد البيت الأبيض قبل مغادرته الرئاسة، ضد إيران وحلفائها. ومنها ما يعدّ الأيام لإستلام الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قيادة الولايات المتحدة. يراهن الفريق الأول على حرب تطحن عناصر القوة الإيرانية. ويظن الفريق الثاني أن بايدن سيحمل تسوية كتلك التي أقدم عليها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون مع طهران، معطوفة على تعديلات إيجابية للفريقين. كانت التسوية وقتها بعنوان الإتفاق النووي. فما المانع أن تتوسّع مع بايدن الآتي لضرب كل المشاريع التي حاول ترامب أن ينفّذها في كل إتجاه؟ لا يوجد موانع. لكن تل أبيب التي تتقدم العواصم التي تراهن على حرب طاحنة ضد إيران، تحاول أن تُرسل إشارات نارية تستبق وصول بايدن. عبّر الإسرائيليون عن رغباتهم ورسالتهم في الإعلام، وبشكل واضح، في زمن التفرّغ الإسرائيلي لتوسيع مساحات التطبيع مع الدول العربية.
أراد الإسرائيليون من خلال هجماتهم على سوريا منذ أيام القول إنّ تل أبيب لن تتراجع عن جدول نشاطها العسكري في المرحلة المقبلة. فإذا أراد بايدن تنفيذ تسوية محتملة مع الإيرانيين، فلن تقبل بها إسرائيل، لا بل ستشاكسها عسكرياً. قد تحمل تلك الرسائل الإسرائيليين إلى شن إعتداءات إسرائيلية على مساحات أخرى، وربما محاولة توريط الإدارة الأميركية الجديدة بمسارات حربية ضد إيران، وعملياً ضد لبنان وسوريا وغزه.
عكست الصحافة الإسرائيلية جوّاً إستخباراتياً أفادت فيه بأن تل أبيب أطلقت عبر هجماتها الأخيرة في جنوب سوريا اشارة للايرانيين بأن "فترة الهدوء انتهت، وان الصبر عاد الى مستواه السابق–القريب جدا من نقطة الصفر". وركّزت تلك الرسائل على أن الإعتقاد بأن انتهاء ولاية ترامب ومجيء بايدن سيؤديان الى "سياسة أكثر رقّة تجاه طهران"، هو إعتقاد خاطئ.
عملياً تحاول إسرائيل فرض مصالحها في أجندة بايدن منذ البداية، وقبل أي تحرك أميركي مرتقب تجاه إيران. فهل تتجرأ تل أبيب على خوض مغامرة عسكرية تُجبر بايدن على تعديل أجندته الشرق أوسطية؟.
لا يُمكن إسقاط أي سيناريو، علماً أن المعادلات العملانية الحربية لا زالت تلتزم بذات قواعد الإشتباك. لم يتغيّر أيّ شيء على الارض. هي ذات العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد سوريا منذ قرابة عقد من الزمن، أي منذ إشتدّت الأحداث السورية وتدخّلت إسرائيل لدعم معارضين سوريين عبر استهداف مراكز عسكرية استراتيجية في سوريا.
يبدو ان الرسائل الإسرائيلية هي حصراً لبايدن وليست لا لسوريا ولا لطهران ولا لحزب الله في لبنان. اساساً يعتبر الإسرائيليون ان تمددهم الحاصل عربيا من خلال التطبيع هو أولوية، لإنقاذ الإقتصاد الإسرائيلي ومعه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو المتهالك داخلياً من الأزمة، نتيجة الاتفاقيات الإقتصادية مع دول عربية تتيح للمنتوجات الإسرائيلية ان تغزو أسواق الخليج. وقد بدأت طلائع البضائع تصل الى تلك الأسواق.
هنا يدفع لبنان وسوريا الأثمان الإقتصادية الإضافية بعدما كانت أسواق الخليج متنفّساً لمنتوجاتهما. شغلت الحرب سوريا ودمّرت مصانعها الضخمة، وأهلكت الأزمة الإقتصادية لبنان. وحدها إسرائيل استفادت. ما هي مصلحة الأخيرة بالحرب المفتوحة الآن؟ اذا شنّها ترامب ستكون هدية لتل ابيب، بينما لا يوجد أي قدرة ولا مصلحة لإسرائيل بأن تخوض حرباً وحدها وتفتح جبهات النار عليها من أكثر من إتجاه وتخرّب كل خطة تل ابيب التجارية الموعودة بها مع أسواق العرب.
في الحرب يدفع نتانياهو الثمن سياسياً، بينما قد ينشله انفتاح الخليج على منتوجات اسرائيل.
فهل يأخذ بايدن الرسالة الإسرائيلية بعين الإعتبار؟.