هل ترك لبنان ليواجه مصيره بنفسه، أم ما زال هناك من الدول الصديقة أو الشقيقة ترغب في مساعدته للخروج من أزماته المتعددة؟
ما هو ظاهر من معطيات ووقائع يشي بأن العالم بأسره يأس من اللامبالاة التي تتعاطى معها القوى السياسية في لبنان في ما خص طرق معالجة العديد من الملفات لا سيما الاستحقاق الحكومي، حيث انه في الوقت الذي ينزلق فيه لبنان باتجاه الهاوية اقتصادياً ومالياً، وفي الوقت الذي تشهد فيه المنطقة متغيرات جذرية على مستوی الخارطة السياسية والاقتصادية، ترى المسؤولين اللبنانيين غير آبهين لما يجري حولهم ويختلفون على جنس ملائكة الحكومة، ويتمترسون وراء مواقفهم التي يعتقدون أنهم من خلالها يحافظون على مكاسبهم السياسية والطائفية والمناطقية.
وحدها فرنسا ما تزال تفتح بابها ولو نصف فتحة بغية إيجاد حل لما يعانيه لبنان، اعتقاداً منها بأنها ما زالت تمون على الطبقة السياسية الموجودة، وانها قادرة على فرض الحلول أو مساعدة المسؤولين على عبور الأزمات باتجاه الحل المنشود، لكن هذه النظرة الفرنسية بدأت تتبدد شيئا فشيئاً، بعد أن عانت ما عانته من نكث بالوعود من قبل المسؤولين الذين كانوا قد التزموا السير بالمبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون خلال زيارته بيروت، وما زاد الطين بلة، وجعل الفرنسيين يقطعون الأمل من امكانية إحداث خرق في جدار الأزمة في لبنان هو التقرير الذي رفعه الموفد الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل إلى الرئيس ماكرون الذي كان قد حمله دعوة منه إلى المسؤولين في لبنان بضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت والبدء بالاصلاحات اللازمة للحصول على المساعدات الدولية، هذا التقرير الذي حاكه دوريل تضمن جملة من المفردات التي بعثت في نفس الرئيس ماكرون اليأس من إمكانية فعل أي شيء في لبنان، حيث عكس الموفد الرئاسي الفرنسي انطباعاً مفاده بأن قصر الاليزيه في واد والطبقة السياسية التي يغني كل واحد منها على منواله في واد آخر.
فرنسا في قمّة اليأس من السياسيين اللبنانيين.. وإدارة ترامب تودع حقبتها بمزيد من العقوبات
غير انه وبالرغم من الامتعاض الفرنسي من غالبية المسؤولين اللبنانيين ما زال لدى الرئيس ماكرون بعض من الأمل في فعل شيء قبل فوات الأوان، وهو المدرك بأن الضوء الأخضر الأميركي الذي أعطي للفرنسيين مع بداية تسويق مبادرتهم قد انطفأ وحل محله الضوء الأحمر، بعد أن قررت إدارة ترامب فرض المزيد من العقوبات على «حزب الله» ومن خلاله على لبنان طيلة المدة المتبقية للرئيس الأميركي في البيت الأبيض، حيث يعتقد الرئيس ترامب بأن هذه السياسة ستأتي أكلها في وقت قريب، في ضوء التطورات الكبيرة التي تحصل في الشرق الأوسط نتيجة حالات التطبيع التي تحصل بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ألا يدرك قادة لبنان هذه المعطيات المخيفة التي تسيطر على مناخات المنطقة ولبنان علی وجه الخصوص؟ تجيب مصادر سياسية عن هذا السؤال باستغراب شديد، وهي تستهجن استمرار التعطيل الحاصل على خط تأليف الحكومة الذي بات إنجازه من الضرورات القصوى التي تتعلق ببقاء لبنان من عدمه، حيث أن المجتمع الدولي قاطبة يربط أي مساعدة للبنان في هذه الظروف الحالكة بقيام حكومة مكتملة الأوصاف تكون قادرة على الولوج في العملية الإصلاحية المطلوبة، فيما أهل الحل والربط في لبنان يشتبكون من أجل هذه الحقيبة أو تلك، وبات يصح فيهم القول بأنهم كزوجين متخاصمين يختلفان لمن تكون السجادة فيما النار تلتهم البيت بأكمله. وتستبعد المصادر في ضوء ما تملكه من معلومات أن تولد الحكومة في غضون الأسابيع المتبقية من هذا العام، وقد عكس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هذا الانطباع من خلال الكلام الذي اطلقه عشية عيد الاستقلال والذي أشار بوضوح إلى عمق الهوة التي تفصل بينه وبين الرئيس المكلف في ما خص التأليف ان من ناحية العدد حيث عاد رئيس الجمهورية إلى قاعدة الحكومة العشرينية طلباً لزيادة وزير من الحصة الدرزية، فيما يتمسك الرئيس المكلف بحكومة الثمانية عشر، مع رفض أن يسمي رئيس الجمهورية وفريقه السياسي كامل الأعضاء المسيحيين مع ترك حقيبتي الداخلية والدفاع إلى الرئيس عون لناحية تسمية الشخصيتين اللتين ستتوليان هاتين الوزارتين، هذا ناهيك عن الخلاف الذي ما زال مستفحلاً حول توزيع الحقائب. وما زاد الأمور تعقيدا ما يكرره وزير الخارجية الأميركية في جولته في المنطقة من أن بلاده بصدد فرض عقوبات على من يؤلف حكومة تضم في مكوناتها «حزب الله».
وفي ضوء ما تقدّم فإن هناك من بدأ يتصرف في لبنان على قاعدة أن لا حكومة قبل كانون الثاني أو الربيع المقبل أي بعد أن تتسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن زمام الأمور في الولايات المتحدة الاميركية. وإلى ذاك الحين فإن لبنان سيستمر في التآكل اقتصادياً ونقدياً.