لم يعد التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان مجرّد مطلب سياسي أو شعبي بل تعداه الى أكثر من ذلك بكثير، فهو أصبح اليوم حاجة ملحّة في الوضع الذي تمرّ به البلاد وتدهور العملة الوطنية وانخفاض الاحتياطي وصولاً الى حدّ نفاده والأهمّ مع الكلام عن تبخّر ودائع اللبنانيين.
يوم أطلق رئيس الجمهورية ميشال عون "معركة" التدقيق الجنائي كان يدرك جيّدا أنها ليست بسهلة فهي ستعرّي كلّ الطبقة السياسية وتكشف فساد ثلاثين عاماً في الدولة، فكيف سيسمح من استفادوا من كلّ السنوات لزرع الفساد والاستفادة من الوظائف في الدولة والادارات العامة أن يكونوا هم اليوم مسهّلين لإجراء التدقيق الجنائي. في الواحد والعشرين من تموز التأم مجلس الوزراء برئاسة رئيس الوزراء حسان دياب وأقرّ التدقيق الجنائي المحاسبي ووافق على التعاقد مع شركة Alvarez & Marsal للتدقيق.
في عشرين تشرين الثاني أبلغت الشركة المذكورة وزير المال غازي وزني أنها فسخت العقد مع لبنان، رغم أنها سبق وأعطت مهلة ثلاثة أشهر اضافية، والسبب أنها متأكدة أن مصرف لبنان لن يلجأ الى تسليمها المستندات المطلوبة. بالأمس سارع الرئيس ميشال عون الى إرسال رسالة الى مجلس النواب استناداً الى الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور دعاه فيها للتعاون مع السلطة الاجرائية لتمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وانسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية كافة، الى سائر مرافق الدولة العامة تحقيقًا للاصلاح المطلوب وبرامج المساعدات التي يحتاج اليها لبنان في وضعه الراهن والخانق.
وهنا يشرح الخبير الدستوري عادل يمين أن "الرئيس عون أرسل الرسالة شارحا فيها أن العرقلة التي تمت في وجه التدقيق يجب معالجتها"، لافتا الى أن "رئيس الجمهورية سبق ودفع باتجاه اقراره في مجلس الوزراء واليوم توجه الى مجلس النواب وعملاً بالمادة 145 من احكام النظام الداخلي في مجلس النواب الّذي سيجتمع الجمعة لمناقشة الرسالة".
"مجلس النواب الجمعة عند اجتماعه مُلزم بإتخاذ تدابير ولكن ليس ملزماً بخيار محدّد بذاته". هذا ما يؤكده عادل يمين، لافتا الى أن "إحتمالات عدّة واردة فممكن أن يصدر بيان داعم للتدقيق الجنائي، وعدم شمول السرّية المصرفية بالتدقيق الجنائي وإصدار توصية تدعم الحكومة في خطواتها"، مشيرا أيضاً الى أنه "يُمكن للمجلس أن يُصادق على اقتراح قانون معجّل مكرّر يؤكّد عدم شمولية السرّية حالات التدقيق الجنائي".
في المقابل تعتبر مصادر مطلعة عبر "النشرة" أن "طريق التدقيق الجنائي تبدأ عبر قضاء قويّ وعادل"، لافتةً الى أنه "على النيابة العامة وبحسب القانون وتحديداً الفقرة 3 من المادة 6 في قانون مكافحة تبييض الأموال، والتي تقول إنه يحق التجميد النهائي للحسابات او العمليّات المعنية أو رفع السريّة المصرفية لصالح المراجع القضائية المختصة ولصالح الهيئة المصرفيّة العليا بشخص رئيسها عن الحسابات أو العمليات التي يشتبه بأنها تتعلق بتبييض أموال أو بتمويل إرهاب"، متسائلة "لماذا لا تُفتح التحقيقات ويلجأ القضاة الى تطبيق القوانين"؟.
لا شكّ أن جلسة مجلس النواب الجمعة ستُعرّي الكتل النيابية، فتكشف من يؤيّد ومن يعارض؟، فهل يُقرّ قانون رفع السريّة المصرفية في حالات التدقيق الجنائي، أم ستكون الجلسة مجرّد "فولكلور" بحيث "يقتل" البعض التدقيق وينتظر الجلسة للسير بجنازته؟!.