غريب أمر القضاء اللبناني لناحية تعاطيه بهذه الطريقة العشوائية مع ملف بحجم جريمة إنفجار مرفأ بيروت التي سقط ضحيتها حوالى 200 شخص و6000 جريح. غريب أمر القضاء، كيف يتجه دائماً ومنذ وقوع الإنفجار نحو الموظفين الصغار ويتغاضى عن الكبار منهم وكذلك عن رؤساء الحكومات والوزراء. تخيلوا مثلاً أن الرائد في أمن الدولة جوزيف النداف لا يزال موقوفاً علماً أنه كان أول من حذر وبتقرير مكتوب من خطورة نيترات الامونيوم في العنبر رقم 12 بينما عضو المجلس الأعلى للجمارك هاني الحاج شحاده لا يزال حراً طليقاً علماً انه كان سابقاً مديراً لإقليم بيروت وقد وقع على مستندات تثبت أنه كان على علم بوجود النيترات.
فحتى الأول من أمس لم يكن القضاء قد إدعى بعد على الحاج شحاده. منذ يومين فقط إدعى عليه المحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري الأمر الذي سمح للمحقق العدلي القاضي فادي صوان من تحديد جلسة لإستجوابه كمدعى عليه. جلسة قد تنتهي بتوقيفه.
المصادر المتابعة للملف تعود في الأرشيف الى 26 أيلول من العام 2014 ليتبين أن قاضي الأمور المستعجلة في حينها جاد معلوف طلب من مديرية الجمارك تنفيذ قراره القاضي بالترخيص لوزارة الأشغال العامة والنقل بتعويم سفينة نيترات الأمونيوم، وذلك بعد نقل المواد الموجودة على متنها الى مكان مناسب لتخزينها تحت حراستها.
أول من وقع على كتاب القاضي معلوف هو مدير الجمارك العام بالتفويض ريمون خوري الذي أحال بدوره الكتاب الى مديرية إقليم جمارك بيروت طالباً العمل بمضمون القرار القضائي، أي تنفيذ القرار. مدير إقليم جمارك بيروت يومها كان هاني الحاج شحاده، وبدوره وقع الكتاب وأحاله الى رئاسة مصلحة بيروت في الجمارك للغاية ذاتها، أي للتنفيذ. رئيس مصلحة بيروت وقتذاك كان حنا فارس الذي وقع الكتاب ايضاً وأحاله الى المراقب الأول لدائرة المانيفيست نعمه البراكس.
في الشكل وقبل الدخول في التفاصيل الأخرى، تخيلوا مثلاً أن البراكس وفارس أوقفا من قبل النيابة العامة التمييزية وبعدها من قبل المحقق العدلي القاضي فادي صوان، بينما الحاج شحاده وهو الموظف الأعلى رتبة منهما والذي اصبح اليوم عضواً في المجلس الأعلى للجمارك لا يزال حراً طليقاً، علماً أن النيابة العامة التمييزية إستمعت الى إفادته من دون الإدعاء عليه أو توقيفه؟.
وتخيلواً ايضاً أن البراكس وفارس لا يزالان موقوفين حتى اليوم، بينما خوري الذي كان مديراً عاماً للجمارك بالتفويض، والذي أصبح اليوم مديراً عاماً للجمارك بالإنابة، لم يتم الإستماع الى إفادته حتى كشاهد لا من النيابة العامة التمييزية ولا من قبل المحقق العدلي؟.
وبما ان القضاء لم يحدد عنبراً او مستودعاً معيناً لتخزين النيترات، أرسل رئيس لجنة إدارة المرفأ حسن قريطم في 21 تشرين الأول 2014 كتاباً الى المديرية العامة للنقل البري والبحري يفيدها فيه بتأمين مكان لتخزين حمولة الباخرة روسوس ذات المواصفات الخطرة، والمقصود هنا نيترات الامونيوم، وذلك ضمن جزء من المستودع رقم 12 المخصص لتخزين المواد الخطرة.
وبما أن باب العنبر رقم 12 مقفل بقفلين، مفتاح واحد منهما مع الجمارك وآخر مع إدارة المرفأ، لا بد من طرح الأسئلة التالية:
كيف وافقت مديرية الجمارك في حينها على تخزين النيترات في العنبر رقم 12 وفتحت بابه، ولماذا لم تعترض على قرار القاضي معلوف، وهي التي سبق أن أبلغت منذ 24 شباط من العام 2014 أي قبل تسعة أشهر من قرار القاضي، وبتقرير أعده العقيد جوزيف سكاف رئيس شعبة مكافحة المخدرات وتبييض الاموال في الجمارك، بأن نيترات الامونيوم شديد الخطورة ويشكل خطراً على السلامة العامة؟. وكيف إختارت إدارة المرفأ العنبر رقم 12 وهي على علم ومعرفة بوجود مواد خطرة في داخله كالميتينول والمفرقعات النارية وفتائل الديناميت؟.
الرؤساء في الجمارك وافقوا في حينها وبقوا أحراراً اليوم، بينما أوقف موظفون أقل درجة وظيفية من مدرائهم!.
ما يحصل هو مثال فاضح عن مدى تخبط القضاء في التعاطي مع جريمة إنفجار المرفأ، وكأن الضحايا والجرحى لم يسقطوا أو كأن الإنفجار لم يدمر نصف العاصمة!.